هُناكَ هَمَزَاتٌ في اللُّغَةِ العربيةِ جَميلةٌ مَبْنى ومَعْنى، مثْلَ هَمْزَةِ "الإسْلامِ"، و"الإعْرابِ"، و"الإبْداع"، و" الإمْتاع"، و"الإحياء"، ورغْمَ ذلك يَنْدُرُ أنْ تُحَقَّقَ في تعْبِيرناـ أوْ تسْييرنا..
بَيْنَما رُبَّمَا نَحْرصُ – لسُوءِ خَطِّنَا وحَظِّنا معًا-على تحْقيقِ أخَواتِها الصحيحةُ إمْلاءً، السقيمةُ إيحَاءً، مثل" الإفلاس"، " و"الإذلال"، و"الإبعاد"، و"الإعدام"....حيث تَشْتَرِكُ كلُّ مَصادِر الفِعْلِ الرُّبَاعِي في الهَمْزِ الواجِبِ لُغَةً، خلافا لكل المَصادر الخُماسية والسُّداسية، التي يُعْتَبَرُ همْزُها- في العَربِية- من "هَمَزَاتِ الشياطين".
وهذه الهَمَزَاتُ -أعوذ بالله منها- مُنْتشرةٌ، في خِطاباتِنا إمْلاءً وإلْقاءً، تحْريرًا، وتعْبيرًا، مُثْلَمَا هي مُنْتَشِرَةٌ في حياتنا وتصَرُّفَاتِنا، تدْبِيرًا وتقريرًا، ومن أمثلتها :
همْزَةُ "الإنقلابات" العسكرية الوجيعة، التي تناسَخَتْ في بلادنا العربية، وأصبحتْ -في الخِطاباتِ الرائجة- تَتَّخِذُ وَضْعَ همْزَةِ قطْعٍ، لمَا كانَ يَجِبُ أنْ يتَّصِلَ من الأحْكام المَدنية، مُسْتَقْطِبَةً منْ أشْبَاهِ النُّخَبِ السياسية والثقافية، كُلَّ "هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ"، وكُلَّ "هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ".
وهمْزَةُ "الإتحادات" الحزْبية، والنقابية، الوطنية، والإقليمية، والدولية ، التي لمْ تُحَقِّقْ وحْدَتَها، ولا أهْدافَها، فكيف تُحَقِّقُ "هَمْزَتَها" التي لا يَجُوزً لها أنْ تتحقق إمْلاءً؟
وأخْتُها همْزَةُ " الإصْطِفافِ" ـ التي لا تَقِلُّ عنْها نشازًا في مَوْقِعِها من اصْطِفافٍ، قَلَّمَا يَتَحَقَّقُ علَى مَا فِيهِ خَيْرُنا.
وكذلك همْزَة "الإختبارات" العَسيرة، التي ظلَّتْ تكابدُها بَلَداُنَنا، حُكوماتٍ، وشُعوبًا، وأفْرَادًا؛ فيَرْسبُ الجميعُ، وتبْقى هَمْزَتُها نَاتِئَةً، سَرطانا، مُؤْلِما، ومُنْتَشِرًا، في جَبِينِ لغةِ الضاد.
وهمزة ُ"الإنتصار" الذي نسْمَعُ عنْه، في حين لا نَرَى سِوَى الهَزائِمِ المُتَتَالِيةِ.
وهمزةُ "الإتنظار" الذي طالَ.. وطالَ.. ومازِلْنَا في انْتِظارِ الذي لا يَأتِي.
كلُّ هَمَزاتِ الشياطينِ هذه، طالما آلمَتْني، واسْتَكَّتْ منْها أذناَيَ سَمَاعًا، وأقْذَتْ عَيْنَي مُشَاهَدَةً، غيْرَ أنني لا أذْكُرُ أنَّ واحِدَةً منْها خَلَّفَتْ فِي نَفْسِي أثرًا مثلما خَلَّفَتْه "همْزَةٌ حمْراءُ"، صَادَفْتُها -ذاتَ يومٍ- مَكْتُوبَةً على خلْفِية برنامج في إحدى قنواتنا، مُخَصَّصٍ للتبَحُرِ في اللغة العربية، حيث توسَّطت الخلْفيةَ/الوَاجِهَةَ، كلمةُ:"الإحْمِرار"، بهمْزَةٍ تقْطُرُ دَمًا نازفًا من قلب العربية الفُصْحَى، مُحْدِثَةً خَرْقًا واسِعًا في جِدار الحَصَانَةِ، الذي ظلَّ يَبْنِيه علماؤنا –عموما- حوْل اللغة العربية، مُعْجَمًا، وقواعِدَ، وعُلومًا، وتَدَاوُلاً...لا سيما أن "الاحمرار" هنا تَعْنِي كتابًا ألَّفُه علامة الللغة العربية المختار بن بون،أحَدُ علمائنا الأجلاءِ "طرة" على " ألفية ابن مالك " في النحو.
ربما كان "الهَمَّازُونَ" العسْكريون والسياسيون، لا يستغرب منهم مثلما ذُكِرَ من "همَزات الشياطين"، وأخَوَاتها، ولكن همْزَ "الإحْمرار"، هكذا، وبـ "الخَطِّ الأحمَر" الكبير، في برنامجٍ علمي لتدارُس اللغة العربية، دون أنْ يَنْتَبِهَ له المُعِدُّ، ولا المُقَدِّمُ، ولا المُخرِجُ، ولا المُدَقِّقُ، ولا حتَّى اللغويُّونَ المُستَضَافُونَ، ولا.. ولا.. أحْرَى أنْ يَشْمَئِزُّوا، ويَمْتَعِضُوا...فهذا -في الحقيقةِ- لا يُمْكِنُ السُّكُوتُ عليْه.
رَحِمَ اللهُ عمر بن الخَطَّاب، كانَ إذا وَرَدَهُ كتابٌ به لَحْنٌ، من أحَدِ وُلاتِه، يَرُدُّ عليْه –غاضبًا-: "قَنِّعْ كاتِبَك سَوْطًا"، تعْزيرًا على اللحْنِ، فأيُّ عِقابٍ تَقُتَرِحُونَه لِمثل هذا الاسْتِهْتار المُتَفَشِّي؟!
أنا أقترحُ –على الأقلِّ- أنْ يُنصَحَ هؤلاء "الهَمَّازُونَ" بالرُّجوع إلى صُفًوفِ المَدارِس الابتدائية، لأخْذِ قواعدِ "الإمْلاءِ"، وأنْ يُؤكَّدَ علَى المُعَلِّمِينَ أنْ يُوجِعُوهم ضَرْبًا علَى الأكُفّ، حتَّى يأخذوا الكتابَ بقُوَّةٍ، وأنْ يُنَكَّل بكلِّ مُدَقَّقٍ لُغَوِيٍّ مُزَيَّفٍ، لا يَلْهَجُ دائما مع جميعِ المُسلمين، بـ:
" رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ".