قدم مارتن شولوف، مراسل صحيفة “أوزيرفر” تحليلا للأزمة الحالية التي تمر بها الحكومة اللبنانية بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري بالريموت كونترول من الرياض. وقال إن استقالة الحريري وسقوط مدينة كركوك، أي هزيمة الأكراد والحرب الجارية في اليمن وتجويع شعبه والصاروخ الباليستي الذي أطلق على الرياض والممر البري الإيراني عبر سورية والعراق هي ملفات ظل التآمر فيها سرا بين السعودية وإيران ولكنها انفجرت علنا.
وبدأ شولوف مقالته من الضاحية الجنوبية في بيروت، معقل حزب الله، وهي المنطقة التي لا تزال آثار الحرب التي خاضها الحزب في عام 2006 مع إسرائيل بادية عالية. وبالنسبة لحسين خير الدين صاحب محل حلاقة فقد تعود هو وعائلته على الحروب والنزاعات إلا أن الأزمة الأخيرة ” مختلفة” و”قد تقود إلى كل واد وقمة جبل وإن بدأت فلن تتوقف”. ويرى شولوف أن الأزمة الأخيرة تغلي تحت السطح ولكنها انفجرت أخيرا بعدما شعر السعوديون أن رجلهم في لبنان لم يعد قادرا على مواجهة حزب الله الجماعة الوكيلة والرئيسية التي تعتمد عليها إيران في حروبها بالمنطقة. إلا أن الأزمة الأخيرة بدأت تفاصيلها منتصف 3 تشرين الثاني/ نوفمبر في حفلة غداء في بيروت أقامها الحريري على شرف وزيرة الثقافة فرانسواز نايسن عندما تلقى في منتصف الدعوة مكالمة عكرت مزاجه. ومن ثم اعتذر وغادر سريعا إلى المطار ومن دون مساعديه. وبعد ساعات من وصوله الرياض أعلن استقالته بشكل حوّله من رئيس وزراء لبناني إلى موفد سعودي تاركا الجميع في حالة من الدهشة. ويرى شولوف أن القوتين الإقليميتين تحاولان اليوم وأكثر من أي وقت مضى تصفية الحساب. ووصل التسابق على التأثير ذروته من بيروت إلى صنعاء وقادت المواجهة إلى غزو مناطق جديدة والتخلي عن تحالفات لم يكن من المتخيل التخلي عنها ومخاوف من مواجهة مدمرة بين عدوين اعتمدا في الماضي على حروب الظل والجماعات الوكيلة. ويعتقد شولوف أن التحول بدأ من الرياض التي يحاول النظام الجديد فيها توجيه البلاد نحو دفة مختلفة من الناحية المحلية والإقليمية ويحاول تغيير الصورة التي تعكس فيها المملكة نفسها إقليميا وعالميا. ولهذا حصل الأمير الشاب محمد بن سلمان على تفويض من والده للقيام مع حليفته الإماراتية بمواجهة ما يراه سيطرة إيران على كل زاوية مهمة في العالم الإسلامي.
وتبدو طموحاته الداخلية لا حدود لها وتشمل إصلاحات ثقافية وإعادة تأهيل اقتصادي وقلب الأشكال التقليدية في الحكم وعملية التطهير التي طالت أثرياء أمراء كانوا بعيدين عن العقاب وتركت المجتمع السعودي في حالة من الاهتزاز. إلا أن الجبهة الخارجية هي المثيرة، فبعد ستة أشهر في منصبه يشعر الأمير محمد وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد أن الوقت قد حان لمواجهة إيران. وكلاهما يصران على أن الهلال الإيراني يغطي دمشق وغزة وبيروت وبغداد ويحقق تقدما في اليمن والمنامة ولم تعد إمارتا أبو ظبي ودبي بعيدتين عنه. ويعلق دبلوماسي أوروبي قائلا : “من أين تبدأ هذه القصة فهي تعتمد على وجهة نظرك” و “بالنسبة للسعوديين فقد بدأت منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ويقولون إنها أجبرتهم على التصرف بطريقة غير طبيعية. ويقومون الآن بالعودة لحياتهم وممارساتهم الماضية. وقد تكون هناك حقيقة لهذا كما أن هناك حقيقة أن عام 2003 فتح الباب أمام كل هذا. وربما عاد بعض الإيرانيين إلى ما قبل 1.500 عام”. أي الخلاف بين السنّة والشيعة، وربما كان بداية لتفسير الخلاف الحالي الذي يقوم على خطوط سياسية حديثة للتأثير ولكنه أصبح أكثر شدة بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين. ويقول سياسي لبناني قدم النصح للرئيس العراقي السابق:” كان صدام حصنًا للسنّة”،مضيفا “وهذا ما فهمه السعوديون الآن وهم يحاولون موضعة أنفسهم في أعقابه وبعد كل هذه السنين”. وينقل عن سياسي بارز ترك المملكة العام الماضي: ” دخلت إيران إلى أي مكان ترددوا ” و “في الوقت الذي اعتقدوا فيه أن أمريكا تقوم بحمايتهم كانت هذه مساعدا للسيطرة الإيرانية التي اكتملت الآن. وهم محقون للتعبير عن الخوف، وكل واحد. فقد تغير الحال في الشرق الأوسط بسبب ترددهم “.
ففي العام الماضي أسهمت إيران بتقوية نظام بشار الأسد في سورية وبمليشيات عراقية قاتلت في صفوفه. وأسهمت إيران بهزيمة تنظيم الدولة وفعلت هذا عبر جماعات وكيلة بما في ذلك استعادة مدينة كركوك التي كانت تحت سيطرة الأكراد. كما ساعدت في فتح الطريق بالمناطق الحيوية بين سورية والعراق. وتسيطر إيران اليوم على الممر البري بين طهران ومدينة طرطوس السورية بحيث يعطيها ممرا مهما للغرب وبعيدا عن مياه الخليج العربي. ويمر الطريق من وسط العراق وسورية ويعرج نحو الحدود اللبنانية ويغطي مناطق كانت مركزا للحرب الأهلية السورية التي أصبحت تحت سيطرة النظام الآن. ويقول مسؤول أمني في المنطقة إن الإيرانيين أمامهم شهرين لاستكمال الممر و” سيغير كل شيء وسيعطيهم منطقة إمداد والتحرك في أي مجال يريدون وسيعطيهم عمقا استراتيجيا، وهذا أمر مهم”. ومن الجماعات الوكيلة التي يعتمد عليها النظام الإيراني يعتبر حزب الله الأهم، وأسهم مقاتلوه في الحرب الأهلية السورية وقتل فيها 1.500 مقاتل تقريبا ، كما دعموا المليشيات العراقية واليمنية. واهتم الأمين العام لحزب الله بالحرب السعودية في اليمن.
وتعتقد السعودية أن ناشطي حزب الله كانوا فعالين في مساعدة الحوثيين في اليمن على إطلاق الصاروخ الباليستي باتجاه الرياض. واعتبر السعوديون الحريري رجلهم في لبنان من أجل فرض سلطة الحكومة على المؤسسات. ويبدو أن صبرهم قد نفد عندما انهار القطاع الإنشائي في السعودية بشكل أدى إلى تأثر شركة الحريري. ومنذ ذلك الوقت كان هو والسعوديون على خلاف حول مليار دولار دين. ويبدو أنها وضعت الخلاف جانبا ودعته إلى الرياض لدفع الثمن بنفسه. وحسب محللين فتفكير السعودية غير عملي لأن استقالة الحريري لن تجبر حزب الله على تغيير طرقه بل على العكس لا يمكن تشكيل أية حكومة من دون موافقته.
لندن – القدس العربي” ـ إبراهيم درويش: