المُفاجآت تتوالى، والصّدمات تتكاثر، ورِياح الحَرب تَهُب على المِنطقة، وكأنّ حُروب سورية واليمن وليبيا والعراق (جُزئيًّا) لا تَكفينا، فبَعد صدمة فَرْض الإقامة الجبريّة على “الشيخ” سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان، وتَجريده من “مَشيخته”، وإجباره على قراءة خِطاب استقالته في الرّياض على شاشة قناة “العربيّة”، ها هي صحيفة “إيلاف” الإلكترونيّة السعوديّة الملكيّة، الصّادرة في لندن، تُجري مقابلةً مع الجِنرال الإسرائيلي غادي إيزنكوت، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يُؤكّد فيها أن حُكومته مُستعدّةٌ لتَبادل المَعلومات الاستخباريّة مع السعوديّة لمُواجهة طهران.
هذا التّصريح الذي صِيغ بعنايةً، واختير له التّوقيت المُناسب، يعني بكُلِّ وضوحٍ أن تحالفًا سعوديًّا إسرائيليًّا عَسكريًّا في طَور التّرسيخ، فتَبادل الجُيوش المَعلومات العَسكريّة، لا يتم في مُعظم الأحيان إلا في زمن الحُروب، وفي إطار تحالفاتٍ تَخوضها ضد عَدوٍّ مُشترك.
***
مُواجهة إيران مَصلحةٌ إسرائيليّةٌ بالدّرجة الأولى، لأنها الوحيدة في المِنطقة التي تُهدّد دَولة الاحتلال وجوديًّا، استطاعت أن تَصنع ترسانةً عَسكريّةً من الصّواريخ قادرةٌ على تطويرِ قُدرةٍ جبّارةً، فاضت الآلاف مِنها على حُلفائها المُقرّبين في سورية ولبنان والعراق واليمن.
ما نُريد أن نَقوله أن إيران لا تُشكّل خطرًا إسرائيليًّا، بالقَدر نفسه أو نِصفه على العَرب، والمملكة العربيّة السعوديّة بالذّات، وإذا كان حُلفاؤها في اليمن أطلقوا صاروخًا باليستيًّا على مطار الملك خالد في الرياض، وقَبله على نَظيره مطار الملك عبد العزيز في جدّة، فهذا لا يَعني الدّخول في حِلفٍ عَسكريٍّ ضِد إسرائيل ضِدها.
قبل شهر تقريبًا كان إيزنكوف نجمًا على اجتماع انعقد في واشنطن بدعوةِ إدارة الرئيس ترامب، شاركَ فيه روؤساء أركان الجُيوش الأمريكيّة، والأردنيّة، والسعوديّة، والإماراتيّة، والمِصريّة، وكان من المُفترض أن يَنضم إليهم رئيس هيئة أركان الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، ولكنّه انسحب عندما عَلِم أن إيزنكوف سيكون ضِمن المُشاركين.
إن هذا التّصريح الخَطير جدًّا الذي صَدر عن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، يُؤكّد أن الحَرب المُقبلة في لبنان، إذا ما اندلعت، َستكون بمُشاركةٍ سعوديّةٍ إسرائيليّةٍ، وبَعض الدّول العربيّة المُعتدلة الأُخرى، لأن حُروب دُول الاعتدال العَربي وإسرائيل أصبحت واحدةً، وتَخدم مصالحَ مُشتركة.
***
إجبار السيد الحريري على الاستقالة، لخَلق فَراغٍ دستوريٍّ يَقود إلى انقسامٍ طائفيٍّ في لبنان، ويُمهّد بتدخّلٍ إسرائيليٍّ سعوديٍّ عَسكريٍّ لشَنِّ حَربٍ على حزب الله بهَدف اجتثاث ظاهرته التي تنتشر في المِنطقة مِثل النّار في الهَشيم (الحوثيون في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وحماس في غزّة إلى جانب حزب الله في لبنان).
هذهِ الأحزاب والتنظيمات نَشأت وتَرعرت بسبب فَشل الجيوش الرسميّة، وتَحوّلها إلى ديكوراتٍ، وانخراطها في حروبِ أمريكا في المِنطقة، وعَجْزها عن مُواجهة المَشروع الإسرائيلي، وتَوفيرها الحِماية للفَساد والفاسدين، من الحُكّام الفاسدين، والاستثناءات قليلة في هذا المِضمار.
القيادة الإسرائيليّة تُريد جَر بِلاد الحَرمين إلى مِصيدة سلسلة الحُروب المُدمّرة لها وللمِنطقة، تَستنزفها ماليًّا، وتَرهُن ثَرواتِها لعُقودٍ قادمة، وتُزعزع أمنها واستقرارها، وربّما تَقود إلى تَقسيمها أيضًا.. والأيّام بيننا.