أحيت موريتانيا أمس ذكرى استقلالها السابعة بعد الخمسين عن فرنسا في جو يطبعه الخلاف بين النظام والمعارضة، حيث أدرجت الحكومة احتفالاتها تحت شعار التجديد وإعادة التأسيس، بينما فضلت المعارضة إحياء المناسبة بالرفض والتحدي والمواجهة.
وخصص نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز أمس ذكرى الاستقلال لتكون بداية رسمية لرفع العلَم الجديد وعزف النشيد الجديد اللذين أقرا في التعديلات الدستورية لاستفتاء الخامس آب/ أغسطس الماضي، كما نقل الاحتفالات بهذه المناسبة من العاصمة نواكشوط إلى مدينة كيهيدي جنوب موريتانيا وهي عاصمة ولاية قورقل ذات الأغلبية الزنجية.
وأكد الرئيس في خطاب وجهه للشعب أمس بمناسبة ذكرى الاستقلال «أن التخليد الرسمي لعيد الاستقلال هذه السنة يكتسي طابعا مميزا حيث تم اختيار مدينة كيهيدي العريقة عاصمة ولاية قورقول لإيواء الاحتفالات»، مبرزا «أن ذكرى الاستقلال تشكل أول مناسبة يرفع فيها خفاقا علم البلاد بعد التحسينات التي أقرها الموريتانيون على العلم القديم في استفتاء الخامس من آب/ أغسطس 2017، وسيعزف فيها لأول مرة النشيد الوطني الجديد الذي تم اعتماده مؤخرا.»
وقال «لقد مثل يوم الخامس من أغسطس2017 (يوم الاستفتاء الذي قاطعته المعارضة)، منعطفا بارزا في تاريخ البلاد المعاصر، حيث تنادى فيه الموريتانيون للتصويت في استفتاء حر وشفاف على إصلاحات دستورية ثمرة لحوار وطني شامل شارك فيه طيف سياسي واسع مثل الأغلبية وأحزاب وازنة من المعارضة الديمقراطية والنقابات وهيئات المجتمع المدني والشخصيات المرجعية».
وأضاف «لقد كانت تلك الإصلاحات الدستورية ضرورية لترسيخ الديمقراطية وتطوير مؤسساتنا الدستورية، فسيمكن استحداث المجالس الجهوية، حسب قوله، من توسيع دائرة المشاركة الشعبية في تسيير ومتابعة العملية التنموية على المستوى الجهوي كما أن برلمانا من غرفة واحدة من شأنه تبسيط إجراءات اعتماد النصوص التشريعية خدمة للتنمية إضافة الى ترشيد النفقات العمومية».
وأكد الرئيس الموريتاني «أن الإصلاحات الدستورية الأخيرة أعادت من خلال التحسين الذي أقرته على العلم الوطني القديم، الاعتبار لحقبة مجيدة من تأريخ موريتانيا بتخليد بطولات رجال المقاومة وشهداء القوات المسلحة وقوات الأمن مترجمة استعداد الموريتانيين الدائم للتضحية في سبيل وحدة وحرية وازدهار الوطن».
وتوقف في خطابه مطولا عند أهمية الأمن في تحقيق التنمية، فأكد «أن نظامه وضع مقاربة أمنية ترتكز في المقام الأول على إعادة هيكلة القوات المسلحة وقوات الأمن وتأهيلها وتكوينها التكوين المناسب وإمدادها بالمعدات والتجهيزات الضرورية وتحسين الظروف المادية والمعنوية لأفرادها.»
«وقد نجحت هذه المقاربة، يضيف باعتراف الجميع برغم الظرفية الإقليمية الحرجة، في بسط الأمن والأمان على كامل التراب الوطني وأصبح الجيش الوطني جيشا مهنيا محترفا بكل المقاييس يتمتع بالجاهزية المطلوبة لرفع التحديات الأمنية التي قد يواجهها البلد ويضطلع بكفاءة عالية في مهام حفظ السلام الأممية المسندة اليه».
وأعلن الرئيس محمد ولد عبد العزيز «أن البنك المركزي الموريتاني سيصدر ابتداء من أول كانون الثاني / يناير 2018 مجموعة جديدة من الأوراق والقطع النقدية ستكون أكثر أمانا ضد المحاكاة والتزييف وأقوى من خلال إعادة تحديد قيمة العملة وذلك بتغيير القاعدة من 10 إلى 1، مما يسمح للأوقية وقطعها النقدية الجزئية باستعادة مكانتها في المعاملات المالية وحماية القدرة الشرائية للمواطن مع خفض في كمية النقد المتداول».
«ونظرا للتوقعات الاقتصادية الواعدة، يضيف الرئيس الموريتاني، ولاستقرار نسبة التضخم وفي إطار الخطة الوطنية الهادفة الى ترقية الاندماج المالي واحتواء النشاطات الاقتصادية غير المصنفة ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعت الجهات المختصة برنامجا طموحا لتحديث وتطوير نظم وسائل الدفع وبصورة خاصة الإلكترونية منها، حيث تصبح المالية الرقمية أولوية وطنية «.
وأعلن «أنه قرر توسيع برنامج التكافل الذي يهدف الى مساعدة الأسر الأكثر حاجة ليشمل سنة 2018 أسرا في ست مقاطعات داخلية، من خلال رصد غلاف مالي يناهز 5ر1 مليار أوقية ستستفيد منه آلاف الأسر عن طريق تسديد مبلغ مالي لكل أسرة كل ثلاثة أشهر على أن يتم تعميم هذه التجربة في السنوات المقبلة «. هذا وقابلت المعارضة الموريتانية احتفالات الحكومة وخطاب الرئيس ببيان شديد اللهجة أكدت فيه «أن يوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر شكل منذ استقلال البلاد مناسبة سعيدة تلتقي فيها قلوب الموريتانيين كلهم، مهما اختلفت مواقفهم ومشاربهم، ويتقاسمون فيها الفرحة والإحساس بالعزة والكرامة، في ظل علم يوحدهم ويرمز لانتمائهم الوطني، تربت أجيال من ضباط وجنود قواتنا المسلحة وقوات أمننا على تحيته وتكريمه وسقط العديد من خيرتهم دفاعا عنه، وعلى أنغام نشيد أصبح جزءا من ذاكرة ووجدان هذا الشعب.»
«لقد كان العلم والنشيد الوطنيان، تضيف المعارضة، محل إجماع واعتزاز من لدن كل الموريتانيين، ورمزا لوحدة هذا الشعب وتجسيدا لإرادته في العيش المشترك على هذه الأرض، وقد برهن الشعب الموريتاني، سواء من خلال ممثليه في البرلمان، أو من خلال مقاطعته لمهزلة الاستفتاء، على تمسكه بهذا العلم وهذا النشيد وتعلقه بهما».
وأضافت «إن «العلم» الذي سترفعه السلطة اليوم، هو في الحقيقة وليد اغتصاب واضح للدستور وتزوير فاضح لإرادة الشعب، وتدنيس لهذا اليوم المجيد، وإهانة لأجيال متلاحقة من الموريتانيين والضباط والجنود تربوا في ظله، وخنجر مغروس في صدر الوحدة الوطنية، و«النشيد» الذي ستعزفه السلطة اليوم هو في الحقيقة سيمفونية تأبين للأخلاق والقيم والديمقراطية في هذا البلد». وشددت المعارضة في بيانها تأكيد «أن هذا «العلم» وهذا «النشيد» غريبان على هذا البلد، غريبان على شعبه وعلى تاريخه وعلى تراثه، إنهما «علم» و»نشيد» موريتانيا «الجديدة»، موريتانيا النهب والتجويع واغتصاب السلطة والتهميش والإقصاء، إن الأكثرية الساحقة من الشعب الموريتاني لم ولن تتقبلهما علما ونشيدا»، حسب تعبير المعارضة.
عبد الله مولود القدس العربي