يا سيدي يا عراق الأرض يا وطناً ..
لم تُشرق الشمسُ إلا من مشارقه :: ولم تَغِب عنه إلا وهي تبتهلُ
يا أجملَ الأرض ِيا من في شواطئه :: تغفو وتستيقظ الآبادُ والأزلُ
يا حافظاً لمسار الأرض ِ دورته :: وآمراً كفة َ الميزان تعتدلُ
مُذ كوّرت شعشعت فيها مسلّته :: ودار دولابه، والأحرُفُ الرسلُ
حملن للكون مسرى أبجديّته :: وعنه كل الذين استكبروا نقلوا !
من آسيا وإفريقيا بدأت الحضارة، ومنها استهل صوت الحياة الأول، مُذ كوّرت شعشعت فيها مسلّته، مسلة حمورابي إمبراطور بابل، وهي أول وثيقة قانونية في العالم، وتوجد المسلة الشهيرة المنحوتة من حجر الديوريت الأسود محفوظة الآن في متحف اللوفر بباريس، وتعتبر أقدم وأشمل القوانين في وادي الرافدين والعالم، وعلقها حمورابي على مداخل المدن البابلية ومخارجها كي يطلع عليها الداخلون والخارجون.
تحتوي المسلة على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة، وفيها تنظيم واع لكل مجالات الحياة على جانب كبير من الدقة، يحدد واجبات الفرد وحقوقة في المجتمع، كل حسب وظيفته ومسؤوليته.
وقسمت المسلة إلى أبواب يناقش كل باب منها جانباً متخصصاً في مجالات العلاقات والأمور الاجتماعية والحياتية سواء أثناء السلم أوالحرب.
وأعظم عمل قدمه البابليون والكنعانيون للحضارة هو اختراعهم الأبجدية الهجائية، فهي تعدّ أهم الاختراعات في تاريخ البشرية.
فالبابليون والكنعانيون، كانوا أول من استعمل الحروف الهجائية في الكتابة، ومنهم انتقلت إلى الفينيقيين الذين نقلوها بدورهم سنة (850 ق.م) إلى الإغريقية واللاتينية، وصارت تعرف في اليونانية باسمها السامي (الألف باء) (ALPHABET) وقد احتفظ اليونانيون بنفس الترتيب الذي وضعه الفينيقيون من حيث تسلسلها ومن حيث طريقة كتابتها من اليسار إلى اليمين وفق الطريقة الفينيقية الأصلية.
مُذ كوّرت شعشعت فيها مسلّته :: ودار دولابه، والأحرُفُ الرسلُ
حملن للكون مسرى أبجديّته :: وعنه كل الذين استكبروا نقلوا
في الميتولوجيا الشعبية أن أوروبا، هي أميرة فينيقية اختطفها زيوس، كبير آلهة الإغريق، من الشاطئ اللبناني وفرَّ بها الى بلاده. تقول الأسطورة إن زيوس فتن بجمال الأميرة اللبنانية أوروبا، ابنة ملك صور، فتبدَّى لها على شكل ثور. أغراها بامتطائه فما إن اعتلت ظهره حتى طار بها الى الضفة الأخرى من المتوسط.
يتصدى المؤرخ البريطاني "مارتن بيرنال" في كتابه : "أثينا السوداء: الجذور الإفريقية والآسيوية للحضارات الكلاسيكية"، وهو كتاب من ثلاثة مجلدات يتناول تاريخ الإغريق القدماء من منطلق مغاير للمعتاد عند المؤرخين المعاصرين.
يتصدى مارتن بيرنال لمهمة إعادة تأريخ الحضارات القديمة ومن ثم إعادة تشكيل العقلية الحديثة.
فالمركزية الأوروبية جعلت من أوروبا منبعا لكل إبداع فكرى وفنى، ويُعتبر كتاب أثينا السوداء بمثابة دعوة لإنصاف الحضارة المصرية والحضارات الشرقية الأخرى.
أول شئ عرضه الكتاب هو الجذور الزنجية لكل حضارة إنسانية عتيدة، وقال فيه إن المصريين القدماء كانوا زنوجا وإن كليوباترا كانت زنجية منحدرة من سلالة النوبة، هذا فى مصر أما فى بلاد الإغريق فقال إن هوميروس وإقليدس وسقراط وأفلاطون أفارقة سود.
/
المفكر السنغالي الشيخ أنتا ﭽوب Cheikh Anta Diop يرى أن الحضارة الإفريقية هي أصل الحضارات ولا تقل عظمة عن الحضارة الأوروبية.
وقد انعكس ذلك في مشروعه الفكري الذي يدور حول نظريتين أساسيتين.
الأولى نظرية المهدين" Two Cradle Theory" والتي حاول من خلالها إثبات أن المهد الأول للبشرية كان في إفريقيا في منطقة كينيا وحول المنطقة التي تضم إثيوبيا وتنزانيا وتنتشر على طول الطريق إلى جنوب إفريقيا.
ترجم أنتا ﭽوب كلمة Egypt فى أصولها الفرعونية بالارض السوداء وربط بين معناها هذا فى المصرية القديمة وفي لغة الولوف المنتشرة على مساحة كبيرة فى غرب افريقيا.
والثانية نظرية الفرعونية " Pharaonism" أو نظرية الأصل الواحد للبشرية "monogenetic theory" ، والتي تعني مرجعية للقارة أو شكلاً للهوية الإفريقية، وحاول من خلالها إثبات أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة زنجية سوداء.
حاول الشيخ أنت جوب إثبات أن التاريخ الإفريقي لا يقل عظمة عن التاريخ الأوروبي من أجل التصدي لكافة أشكال التمييز الحضاري ضد السود، لذا كرس حياته في سبيل مشروعه الفكري المتمثل في البحث عن مرجعية تاريخية حضارية لإفريقيا، وقد وجد ضالته في حضارة مصر الفرعونية التي أثبت أنها كانت حضارة زنجية مستندًا إلى العديد من الحجج والأدلة، والتي تنوعت ما بين الأدلة اللغوية والأنثروبولوجية والتاريخية وغيرها لإثبات أن المصريين القدماء كانوا زنوجًا أو أشباه زنوج، وقد عرض هذه الفكرة بوضوح وبشكل مركز في مجلد تاريخ إفريقيا العام في الجزء الثاني تحت عنوان (أصل المصريين)، وقام بمناقشة مسألة أصل المصريين القدماء.
كامل الود