المؤتمر المرتقب لحزب "تواصل" سيكون مؤتمر عبور قنظرة من تحتها مطبات ومن أمامها ومن خلفها أخرى
إن الحزب سيفقد رئيسا من طينة نادرة سياسيا وفكريا وديبلوماسيا وسيكون البحث له عن خلف "أم معارك" حقيقية
يضج الحزب بالأكاديميين والمهندسين الأطباء من مختلف أجياله وصفوفه كما أنه حزب فكري أيديولوجي مغلق قد لاتعصف به صراعات قبلية جهوية عرقية كما روج البعض مؤخرا لكن الخصال التى اجتمعت فى الرئيس جميل منصور لم تجتمع فى أي من رؤساء الأحزاب الوطنية إذاما استثنينا المصطفى ولد بدر الدين ومحمد ولد مولود وسيدى ولد الكورى وإن تقدم جميل على الجميع فى قدرته على الخطابة والتبرير والإقناع ومطاطية التعامل مع كل المواقف الطارئة
يتمتع جميل منصور بثقافة واسعة وحنكة فكرية جعلته فى كل وقت يسير غير هياب بين التبرير الشرعي هنا والسياسي هناك لأية مواقف يتخذها حزبه ولا يقف حماره فى "العقبة" فى أية مساءلة صحفية أوسياسية محليا أوخارجيا ومهما كانت ضبابية موقف الحزب أوارتخاء سياقاتها ففى دخول حكومة مطبعة كان جميل منصور قادرا على تبرير ذلك شرعيا وسياسيا وعند ملف المسيئ كان ولد منصور قادرا على تبرير عدم مطالبة تواصل باعدامه بشكل صريح وليس مهما أن يقتنع الناس بمبررات جميل لكن المهم أنها قوية يأخذ منها العامي جرعته والمثقف جرعته والسياسي والفقيه جرعتيهما وللجميع الحق فى القبول أوالرفض
لقد زود جميل حزبه فى أصعب اللحظات بمظلات هوائية وقوارب وحبال للنجاة عند كل احتكاك سياسي مثل قربا من النظام أوتقاربا مع المعارضة حتى لكأن أي شيئ يقدم عليه الحزب ماهو إلا جلب مصلحة للمسلمين ( ولاينبغى لها أن تكون شخصية أوحزبية) أودرء لمفسدة بينة الخطر عليهم
ويحسب لجميل قدرته على لعب كل الأوراق والمراوحة بين ضرب غريم تواصل التقليدي حزب التكتل والتشبث بخط المعارضة ووضع الراس فى أية لحظة تحت ظل نخلات القصر الرمادي ولقد تمكن تواصل فعلا وفى مرات عديدة من إقصاء التكتل وإخراجه من المشهد السياسي المحلي عبر تكتيك التحالفات الناصحة والتراجعات الناطحة
واستطاع ولد منصور الحفاظ على لسان ميزان تواصل بين الاغلبية والمعارضة دون أن يميل كل الميل إلى هذه أويبسط يده كل البسط إلى تلك عبر مقاربات براغماتية احتاجها الحزب ونجحت فى إنقاذه من مخطط للنظام كان يستهدف تصفيته بدء بجمعية المستقبل مرورا بالمعاهد الدينية وقطع طرق "الإمداد والتموين" بين الحزب وقطر وتركياوهو مخطط "فرمله" جميل منصور ببراعة فائقة ففتح باب طوارئ لعشرات من أطر الحزب ومنتخبيه ورجال أعماله لدخول الأغلبية لإبعاد شبح الخوف من تواصل عن مكوناتها ولإعطاء انطباع بأن تواصل حزب يمكن اختراقه قبلالتفكير فى احتراقه
سمح تواصل إمعانا فى الهروب إلى ماتحت عصا النظام لمنتخبيه باستقبال الرئيس ورفع العلم الجديد وحفظ النشيد مع رفض الحزب لهما فى كل بياناته وخرجاته وهي "سياسة" أتت أكلها ومكنت الحزب من أن يكون "أليفا" لدى النظام
اليوم ليس فى كل الاسماء المرشحة لخلافة جميل اي اسم يمكنه اللعب باوراق جميل والقفز على حباله فهي اسماء تفتقر غالبا للقبول السياسي وتتميز غالبا اما بالعصبية والتطرف فى الخطاب اوضعف النفوذ والافتقار للكاريزما التى لابد انها اهم شيئ سيضعه جميل فى حقيبته وهو يسلم الحزب لفتنة "جمل" أو"بقرة" أوعلى الأقل لقيادة ضعيفة سيكون عليها أيضا البحث عن مفاتيح نسخها الوحيدة بحوزة جميل الذى ربما سيتفرغ لكتابة ذكرياته وسماع "سلك من الهول"( من غير دف ولامزمار) و"العيش" بهدوء فى منطقة برزخية بين "النصح" و"النطح".