لم تَعد الأخبار المُنتشرة بغزارة أمطار الشتاء في هذه اللحظة، عن ارتباط مستقبل المصري محمد صلاح بعملاقي الليغا ريال مدريد وبرشلونة مُجرد مزحة أو شائعات «صفراء» الهدف منها استغلال شهرة الفرعون الطاغية سواء على أرض الواقع أو في العالم الافتراضي، للحصول على أعلى قراءات. بل هي حقيقة يلمسها أبسط مواطن في أحياء مصر الشعبية لكبار مشاهير الريال والبارسا في مختلف أنحاء العالم.
الحريف
شخصية حقيقية أعرفها عن كثب. في طفولتي أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، كنت أسمع قصصا وأساطير عن «الحريف» الذي أفلت من الموت في مسقط رأسه الإسماعيلية وهو على بعد عشرات الأمتار من مطار «أبو صوير»، الذي دمرته الغارة الإسرائيلية في نكسة يونيو 1967، ليستقر في المدينة الكبيرة المجاورة «الزقازيق»، التي لم يُغادرها حتى الآن، رغم عودة كل عائلته الكبيرة إلى بلدتهم بعد 1973.
من حُسن الحظ، فأنني كنت دائما من المُقربين إليه بحكم الشغف بالساحرة المستديرة، ولا أنسى لحظات انتظاري لصديقي الأربعيني (وأنا طفل)، وهو يُفند أوراق صحفه الورقية الرياضية المُفضلة، وبعد طول انتظار أحصل على الصحيفة لأُشبع رغبتي في معرفة كل ما يدور حولي في عالم كرة القدم، ثم يدور النقاش بيننا وكأننا من كبار المحللين في زمن كانت البرامج الرياضية فيه تُعد على أصابع اليد الواحدة طوال الأسبوع!
ملك التوقعات
صحيح صديقي العزيز الذي تجاوز الـ60 الآن، لم يحظ بشهرة أبناء جيله ولم يحترف حتى كرة القدم بشكل رسمي، فقط اكتفى باللعب في دوري المحافظات ودافع عن ألوان المنتخب العسكري، بالكاد هو النسخة الحقيقية لعادل إمام في رائعته السينمائية «الحريف» كما يقول عنه كل ما عاصره في الستينات والسبعينات، لكنه ما زال يتنفس كرة قدم حتى هذه اللحظة، وبعد خروجه على المعاش، لم يَعد يفعل أي شيء سوى متابعة أخبار الكرة المحلية والعالمية، وخصوصا محمد صلاح. هذا الحريف المغمور الذي لا يعرفه إلا من سمع عنه وعائلته، كان أول من حدثني عن الأسطورة روبرتو باجيو وبقية أساطير الثمانينات والنصف الأول من التسعينات، ومحليا لا زلت أتذكر كلماته عن محمد بركات وهو لاعب في الترسانة، وقال لي: «هايكون له شأن كبير جدا في الأهلي»، وبالفعل مرت الأيام وأصبح ملك الحركات أحد أهم أساطير الأهلي في العصر الحديث، الأعجب أنه راهن عن تفجر موهبة رمضان صبحي عندما شاهده للمرة الأولى في مباراة لناشئي الأهلي تحت 15 عاما في قطر!
مقابلة مختلفة
بالصدفة البحتة، تجدد اللقاء الأسبوع الماضي بعد غياب سنوات بحكم ضغوط الحياة، لكن هذه المرة كان سباقًا في طرح سؤال المناقشة، وقال: «أيهما أفضل لصلاح برشلونة أم ريال مدريد؟»، ولتفادي الوقوع في المحظور، بادلته بسؤال آخر، هل أنت متابع لقصة صلاح وعملاقي الليغا؟ كان رده: «طبعا العالم كله عارف كده وزيدان نفسه قال إلخ إلخ إلخ إلخ»! بداخلي أقول يا الله… يبدو أن القصة ليست مزحة، والأمر لم يَعد يَقتصر على المكان المُخصص لأخبار الشائعات في كبرى الصحف العالمية.
أيهما أفضل؟
هناك شبه إجماع أن الريال سيكون وجهته المقبلة، وهذا على الورق يبدو منطقيا، على الأقل لإنهاء أزمة الجناح الأيمن التي يُعاني منها الفريق بسبب كثرة إصابات الويلزي غاريث بيل، حتى التقارير الواردة من إسبانيا تؤكد أن رئيس الميرينغي فلورنتينو بيريز أكثر رغبة من نظيره الكتالوني جوسيب ماريا بارتوميو، لضم الفرعون عاجلاً (في الميركاتو الشتوي) أو آجلاً (في الصيف)، وحدوث هذا سيكون أشبه بالصفعة المزدوجة للبارسا. أولاً انتقال صلاح للبيرنابيو سيكون صفقة «إعلامية» ضخمة، وهذا الأمر يبحث عنه بيريز للترويج لنفسه، بعد عزوفه عن الصفقات الكبرى في آخر ثلاث سنوات، تحديدا منذ شراء خاميس رودريغز من موناكو في صيف 2014 مقابل 80 مليون يورو، ثانيا رحيل صلاح سيُعقد رحيل كوتينيو أكثر من أي وقت مضى.
الطريقة المناسبة
نظريا، تشعر من الوهلة الأولى أن هداف المنتخب المصري هو أفضل بديل لملك الإصابات، لكن السؤال الذي يفرض نفسه… هل ما قدمه بيل على المستوى الفردي يُقارن بما قدمه لتوتنهام بالمقارنة ذاتها؟ بالتأكيد لا. ففي بلاد الضباب ظهر بثوب اللاعب المُرعب الذي يخشاه الجميع في إنكلترا من الكبير للصغير، بدليل أنه قبل أن يُكمل عامه الـ22 فاز بجائزة أفضل لاعب في البريميرليغ مرتين، أما مع الملكي، فنجاحه اقتصر على المستوى الجماعي، لوجوده في جيل استثنائي يقوده رونالدو. باختصار شديد ما فعله بيل وهو في أفضل لحظاته مع الريال، لم يكن بالبريق الذي كان عليه مع توتنهام، ومن شاهده مع ريدناب يعرف ذلك.
المفارقة العجيبة، أن بيل لعب في مراحل الطفولة كظهير أيسر، نفس المركز الذي شغله صلاح عند اكتشافه في دوري مشروع شركة المياه الغازية الشهيرة، والتوهج الذي يعيشه الأخير في الوقت الراهن، تقريبا هو التوهج الذي كان عليه بيل مع «سبيرز»، وانخفض بمرور الزمن واختلفت الطريقة التي كان يلعب بها في توتنهام مقارنة مع الأدوار التي يقوم بها مع الريال سواء مع زيدان أو أنشيلوتي أو حتى بنيتيز الذي قضى ستة أشهر فقط. مع الريال، دائما يلعب بيل في أقصى الطرف الأيمن أو الأيسر، للقيام بمساندة دفاعية مع الأظهرة، كجناح كلاسيكيي في طريقة 4-4-2، تُستنزف طاقته في الأدوار الدفاعية والركض في أماكن بعيدة عن العمق (المحجوزة لرونالدو وبنزيمه)، عكس وضعه مع توتنهام، هناك كان يتحرك بأريحية في الثلث الأخير من الملعب، ومع الوقت تّحول للوحش الكاسر الذي دفع فيه بيريز 86 مليون إسترليني في صيف 2013, قبل أن يصل إلى ما هو عليه الآن بعد سلسلة من الإصابات ومواسم مُخيبة للآمال على المستوى الشخصي باستثناء الموسم الأول. كما أن أسلوب زيدان بإفراطه في الاعتماد على الجانبين وإرسال العرضيات، كفيل بقتل فرص صلاح في التواجد أمام الشباك، الآن تطور بشكل مُذهل ولم يَعد مُجرد اللاعب السريع الذي يبحث عن الكرة لمراوغة مدافع واثنين قبل ينتشله لوتشيانو سباليتي من براثن الضياع، بتعديل مكانه في الملعب كمهاجم ثان من الجهة اليمنى، يميل أكثر إلى عمق الملعب وليس على الأطراف، بعدما أصبح كتابا مكشوفا في وقت من الأوقات في بداية موسمه الثاني مع روما، ومع كلوب تفجرت موهبته بصورة فاقت كل التوقعات. وبوصوله لهذه «الفورمة» التي لم نُشاهد عليها أي لاعب عربي من قبل في البريميرليغ باستثناء رياض محرز، سيكون محظوظًا أكثر باللعب بجانب ميسي. كيف؟ المدرب ارنستو فالفيردي لا يميل لـ»الدايموند» كزيدان. في الغالب يعتمد على إبداع ميسي من العمق سواء بلعبة عبقرية فردية او بتمريرة حاسمة، وهو الدور الذي كان يقوم به ليو قبل حقببة «ام أس ان» ولنا أن نتخيل وجود صلاح بكل هذا الدهاء والمكر الذي وصل إليه في التحرك من العمق بتمويل من ميسي وعلى الطرف الآخر عثمان ديمبيلي، ربما ستكون ثلاثية أكثر رعبا من ثلاثية «ميسي، بيدرو وفيا أو إيتو»، وخير تعويض عن تفكك «ام أس ان»، إذا خسر سواريز مكانه في التشكيلة الأساسية في المرحلة المقبلة، وبوجه عام، طريقة وأسلوب فالفيردي يبدو مناسبا لصلاح بعد الطفرة الأخيرة، أما مع زيزو فلن يجد المساحات التي ينعم بها مع ليفربول في الوقت الحالي، إلا إذا غير المدرب قناعاته وعدّل خطته على الدولي المصري بدلا من رونالدو.
أما خيار العقل، فبالتأكيد البقاء مع ليفربول لأطول فترة ممكنة، على الأقل لنهاية كأس العالم، وإذا استمر على هذا المنوال مع الريدز بعد وصوله لـ20 هدفا في أول 26 مباراة، كأسرع لاعب يصل لـ20 هدفا في إنكلترا هذا الموسم، ستزداد قيمته التسويقية ربما للضعفين خصوصا إذا ترك بصمة مع الفراعنة في كأس العالم.
عادل منصور
لندن ـ «القدس العربي»: