بينما أقر مجلس الشورى السعودي أمس اتفاقية استقدام الموريتانيات عاملات منازل في السعودية، قوبل هذا الاستقدام بحملة اعتراض واسعة في موريتانيا من طرف قادة للرأي ومدونين بارزين.
وكان أبرز المعترضين على هذا الاستقدام الذي وقعت اتفاقيته منتصف حزيران / يونيو الماضي في جدة، الدكتور البكاي ولد عبد المالك وزير التعليم السابق الذي أكد في مقال خصصه لهذا الموضوع «أن أعز ما يمكن لشعب بدوي معزول وغير معروف أن يملكه هو الكرامة والاحترام، وقد سلف العلماء الموريتانيون العاملون في المشرق وخلف من بعدهم «خلفهم»: الخادمات العاملات».
وقال «لقد كان في مقدور أشقائنا في المملكة العربية السعودية القيام بأشياء كثيرة ليعوضونا بها عن خسارتنا لمليارات الدولارات القطرية (نحو 5 مليارات تقريبا) غير استيراد الخادمات العاملات في البيوت مع ما يتضمنه ذلك من احتمال حصول انتهاكات خطيرة لدينهن وعرضهن الذي هو ديننا وعرضنا».
«كان في مقدور إخوتنا في المملكة، يضيف الدكتور عبد المالك، تعويض العقود الممتازة المتعلقة بعمالة الصنف الأول كالباحثين والأساتذة الجامعيين والقضاة والإعلاميين وغيرهم والتي باتت مهددة بعد قطع العلاقات مع قطر، وكان في مقدورهم أيضا إبرام اتفاقيات اقتصادية مهمة مع موريتانيا وأن يمنحوها لا ما تستحقه في نظري من وضع الدولة الأُوْلى بالرعاية بفضل علاقات القرابة الخاصة التي تربطنا مع رأس الأسرة الحاكمة، وإنما على الأقل نفس المعاملة التي تمنحها لجيراننا كالمغرب والسنغال وتونس خصوصا إذا علمنا أن الاستثمارات السعودية في المغرب قد تجاوزت خلال عامين فقط بليوني دولار، ومن دون أن نقلل من قيمة ما قدمته المملكة العربية السعودية لموريتانيا إلا أنه لا يزال بعيدا عن حجم المساعدات المقدمة لجيراننا.»
وأضاف الوزير عبد المالك «مع ذلك تبقى لدى السعودية وموريتانيا بدائل كثيرة للتعاون غير المخاطرة بأعراض حرائرنا في ظل الانتهاكات التي تعرض لها في حالات سابقة بعض الخادمات الموريتانيات وغيرهن في بعض دول الخليج مما هو محفوظ بالصوت والصورة على صفحات الانترنت؛ فهل هناك دولة عربية أخرى ترسل رعاياها بقرار رسمي إلى دولة أخرى ليكونوا خدما فيها غير موريتانيا؟، ماذا سيكون شعور الواحد منا لو علم بأن كريمته أو كريمة أي من «السادة» السابقين تعمل خادمة في بيت سعودي أو غيره بداعي الحاجة ؟! فكروا في هذا الأمر بهدوء».
ودعا العاهل السعودي إلى إلغاء اتفاق الاستقدام الذي وإن قبلناه من غيره فإننا لا نقبله منه وبيننا ما بيننا من أواصر القربى والرحم، ما نحتاجه منكم سيدي جلالة الملك هو صرف منح لبناء المختبرات في جامعتنا الفتية وتوجيه جزء من الاستثمارات السعودية إلى هذا الجانب المفقود كليا في تعليمنا العالي لكي يكون في مستوى عال من الجودة شبيه بما هو موجود في جامعة الملك عبد العزيز.. ما نحتاجه منكم سيدي جلالة الملك هو تمويل برنامج شامل لإصلاح التعليم الأساسي والثانوي ومعالجة التسرب المدرسي وآثاره خصوصا في الأحياء الفقيرة في أطراف المدن الكبرى ومعالجة الفروق الحاصلة في هذا المجال داخليا بين فئات الشعب وخارجيا بيننا وبين جيراننا في الشمال والجنوب على حد سواء، ما نحتاجه منكم سيدي جلالة الملك باختصار هو استثمارات ضخمة ذات مظلة اجتماعية وذات عوائد اقتصادية واجتماعية واضحة على الفئات الأكثر هشاشة في البلد، ومشروعات موجهة لاستئصال الفقر في مناطق الظل نقبلها حتى ولو كانت بإشراف سعودي حتى لا تتكرر التجارب السابقة».وتحت عنوان «لا لتصدير البشر إلى السعودية»، دعا المدون البارز باب سيداتي
«المجتمع المدني والأحزاب والمنظمات المجتمعية والحكماء وقادة الرأي للضغط على الحكومة الموريتانية حتى تتراجع عن تصدير العمالة المنزلية إلى المملكة العربية السعودية، لأن مضار هذه الاتفاقية ستكون بلا شك أكثر من منافعها».
وقال «إن سجل الأشقاء السعوديين في التعامل مع العمالة المنزلية وتأمين حقوقها لا يشجع على إرسال الموريتانيين للعمل هناك، فقوانين العمل في المملكة تمنح للكفيل أي رب العمل سلطة بلا حدود على العمال، بما فيها حجز أوراقهم وتسخيرهم واستخدامهم في أعمال شاقة، فيصبح هؤلاء العمال في حكم الأرقاء والمستعبدين لدى أرباب عملهم».
وأضاف «كثيرا ما يتلقى الموريتانيون العاملون في السعودية معاملة لا إنسانية وكثيرا ما يمنعون حقوقهم المادية كذلك، فتتأخر الأجور شهورا عدة وتكون مطالبة العامل بها سببا للمشاحنات والشجار بين الطرفين».
«فالحكومة السعودية لن تلتزم بل ولا تستطيع أن تلتزم بالاتفاقيات الخاصة بالعمالة والحكومة الموريتانية كذلك لا تستطيع الالتزام بما وقعت عليه بخصوص نوعية العمالة وتدريبها والشروط التعجيزية الأخرى، وهذا ما سيؤدي إلى توريط العمال الموريتانيين في متاهات ودوائر مغلقة من العذاب وهضم الحقوق وامتهان الكرامة، وقد تكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية وإنسانية خطيرة.»
وكانت الحكومتان الموريتانية ممثلة بوزيرة العمل كمبا با، والسعودية بـ العمل والتنمية الاجتماعية علي بن ناصر الغفيص، قد وقعتا منتصف يونيو الماضي وقعت الحكومة الموريتانية مع نظيرتها السعودية، اليوم الخميس في مدينة جدة السعودية، اتفاقية لاستقدام العمالة المنزلية الموريتانية إلى المملكة.
ويقضي الاتفاق الموريتاني السعودي بأن تلتزم المملكة ممثلة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، بأن يكون استقدام وتوظيف العمالة المنزلية الموريتانية بموجب هذا الاتفاق، ووفقًا للأنظمة واللوائح والتعليمات المعمول بها، وتلتزم بحماية حقوق العمالة المنزلية في السعودية.
في المقابل، تلتزم موريتانيا ممثلة في وزارة الوظيفة العمومية بتأمين العمالة المؤهلة واللائقة طبيًا، وألا تكون العمالة المرشحة من أصحاب السوابق، وأن تكون مدربة في معاهد أو مراكز متخصصة في الأعمال المنزلية، وطبيعة أحكام وشروط عقد العمل.
وطلبت السعودية من الحكومة الموريتانية، تحسيس العمالة المرشحة بضرورة الالتزام بالأنظمة والتعاليم والآداب والعادات وقواعد السلوك، خــلال إقامتها في المملكة.
القدس العربي