سجلت يوميات النخبة السياسية والفنية بموريتانيا ابان حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع تعلق آلاف الجماهير والمثقفين والفنانين بالرجل الذي حكم البلاد طيلة 20 سنة، رغم أخطائه السياسية القاتلة تجاه ملف الوحدة الوطنية ، وضعف الشفافية في تسيير المال العام ، وغياب أفق للتداول علي السلطة ، رغم اعلانه بداية المسار الديمقراطي.
وظلت أغاني النخبة الفنية الممجدة للرجل تحتكر معظم بث التلفزيون والإذاعة بتوجيه حكومي طيلة ساعات المساء، مع مساحة واسعة في مجمل محلات التسجيل وبيع الأغاني بالعاصمة نواكشوط وكبيرات المدن دون اكراه أو دفع مال، بعد ما سجل له أشهر الفنانين مقاطع فنية نادرة، تفنن كبار الشعراء في صياغة كلماتها مع كل اطلالة يطل بها الرئيس علي احدي المدن الداخلية، قبل أن يقلبوا له ظهر المجن ركضا مع الجيش الذي أطاح به 2005 في انقلاب عسكري أبيض.
ولعل أبرز الأغاني التي تم تسجيلها تلك الحقبة " أل حقيقية فتن رين مزاه .. ألا معاوية حد أوخر ماريناه".
لقد كانت تعبيرا بالغ الدقة عن ولع الموريتانيين بالحاكم العسكري الذي فتح الفرصة أمام مئات الأطر من أجل تبذير أموال الدولة، وصناعة مكانة سامقة لداعميه في مختلف مناطق البلد من كل الفئات والأعراق، مسنودا بنخبة سياسية وقبلية كانت بالغة التأثير في مجري الأحداث السياسية الداخلية، رغم زخم المد المعارض في الداخل والخارج وتعدد المحاولات الانقلابية الرامية لإنهاء حكمه.
واذا كانت تلك الأغنية قد أخذت مكانتها لدي سكان " تكانت" فقد كانت أصوات الفنانين بأترارزة تصدح بأقوي الكلمات ترحيبا بالرئيس معاوية في ليالي أنس وطرب، يعتبر مجرد الولوج إلي الخيام المضروبة للرئيس والاستماع لها مكسبا يستحق الكثير من الانتظار وتحمل الرفس والضرب وتوسل عناصر الحرس المحيطين به بقيادة العقيد محمد ولد عبد العزيز.
لقد سمع ولد الطايع علي بعد أمتار نشيد "أهل الميداح" الذي تراقصت علي أنغامه نخبة أترارزه في احدي ليالي بوتلميت الجميلة وهي تردد :
" أنرت دروبا وشيدتها بعدل همام وعزم متين"...
"وكنت رزينا عظيما حليما .. وكنت قويا عزيزا أمين".
وقد كانت النخبة الأدبية خير مرافق للرئيس في مساره الذي استمر 20 سنة، وكانت قصائد خيرة الأدباء ترسم ملامح الواقع المسكون بحب الرئيس واحترام دوره في بناء الوطن والتضحية من أجل استقراره - كما يقول أصحابها- ولعل رائعة "لمرابط ولد التياه" كانت أحسن ماتداولته وسائل الإعلام العمومية ابان جولات الرئيس وتناقلتها مجالس النخب ..
وكان لسان الحال في كل موطن مر به :
أقمت لهذه الشعب وزنا .. وإن من أقام له وزنا أقمنا له وزنا"
وصرنا ولاة الأمر فوق ربوعنا .. فلانختشي حيفا ولانختشي غبنا
نشرت علي أرجائها العدل والرخا .. وملأتها يمنا وملأتها أمنا
ولعل لمرابط ولد تياه وهو يخاطب الرئيس وكبار معاونيه ببيته الجميل :
ومن زرع المعروف في قلب أمة جني منهم السعادة واليمنا
لم يتوقع أن ينقلب الجميع علي الرجل الذي بات أبرز المقربين منه اليوم يتبارون في مجمل المحافل الداخلية لتوزيع الشتائم علي سنوات حكمه، ويتنابزون بينهم منتقدين رجال الماضي الذي بات يمثله وعقلياته البائدة التي كانت مصدر الهام وفخر، مكذبين الشاعر الذي طمأن الرجل قبل مغادرته الحكم بعهد لن تنقضه الأيام، ولن تعبث به أهواء المغرضين :
ومن لايري في سعيك الخير حسبه .... وأحمد ربي ليس فينا ولامنا
مشاعر طيبة، لكن النخبة الموريتانية الداعمة للرجل أثبتت الأيام أنها قليلة الوفاء أو ضعيفة الذاكرة، رغم اليمين التي تراقصوا في أكثر من موطن وهم يرددونها مع الفنانة الراحلة ديمي بنت آبه دون خجل أو وجل :
يمينا لنذكر كيف أتيت ..
سيد أحمد ولد باب/ كاتب صحفي