ينظم سلك الموثقين العدليين في موريتانيا أواخر آذار / مارس المقبل أول ندوة فنية حول الأمن القانوني للعقار الحضري والزراعي لتسليط الضوء على مشكلة من أعظم المشكلات المثيرة للنزاعات والأكثر عرضا على القضاء.
وأكدت الجهة المنظمة لهذه الندوة «أنها تسعى من خلال مجموعة العروض والدراسات المقررة في هذا اللقاء للمساهمة في تقوية تأمين العقار في المجالين الزراعي والحضري».
وأضافت «حتى لو استبعدنا القطاعات الخاصة في المناجم والوقود، يظل العقار في موريتانيا قطاعا واسعا بالغ الأهمية في المجال الاقتصادي والاجتماعي، مع أن القانون المنظم للعقار في موريتانيا قانون قديم للغاية حيث لا يزال العمل جاريا بقانون الإصلاح العقاري لأفريقيا الغربية الفرنسية الصادر إبان العهد الاستعماري في 26 تموز / يوليو 1932».
ويؤكد سلك الموثقين «أن إشكالية العقار تشمل إضافة للاقتصاد والقانون، حقلا اجتماعيا وسياسيا واسعا للغاية، وله انعكاساته الكبيرة على استصلاح الأرض والحفاظ على الأمن العام، كما أنه من الواجب إدماجه في منظومة التكنولوجيا التي لا يمكن تجاهل أهميتها».
«وأخذًا في الاعتبار بهذه النواحي جميعها، يضيف السلك الوطني للموثقين، قررنا تنظيم هذه الندوة العملية والعلمية، لتكون انطلاقة أولى لعمل وطني أكبر يسلط الضوء على مجال حيوي مهمل منذ عقود».
ويقول الخبير الموريتاني أبوبكر مروان «برغم مضي أكثر من ربع قرن على إصدار قانون الإصلاح العقاري (الصادر عام 1983 والمنشور في الجريدة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية، عدد 5 يونيو/حزيران من نفس السنة)، يبقى من الواضح أن تحديات قوية لا تزال تطرح نفسها، نظرا للبون الشاسع بين النظرية والتطبيق».
وأضاف «يقدّم القانون المذكور نفسَه على أنه مستخلص من الشريعة الإسلامية، ويزخر نصه بالنقاط الإيجابية البالغة الأهمية لمجتمع حديث العهد في البداوة لا يزال يشق طريقه بصعوبة نحو التحول الاجتماعي، حيث يعلن أن «الأرض ملك للوطن، كل موريتاني، بلا أية تفرقة كانت، يمكنه مع احترام القانون، أن يصبح مالكا لجزء منها»، و»الأرض الموات ملك الدولة»، و»الأرض لمن أحياها» وغير ذلك من المبادئ التي من شأنها إن طبقت في جوّ من القبول، أن تشكل أرضية للمساواة والسلم الأهلي والعدالة الاجتماعية.»
«غير أن طبقية المجتمع التقليدي وتراتبيته، يضيف الخبير مروان، لا تزال تلقي بظلالها على الواقع وتكرس إرثا يتميز بحرمان الكثيرين من النفاذ إلى الملكية العقارية، أو على الأقل صعوبة النفاذ إليها خاصة فيما يخص شريحة «الحراطين» أو الأرقاء السابقين».
«ولذلك، يضيف الخبير، فإن معالجة المسألة ينبغي أن تتم من مختلف أبعادها، من دون بترها من أيّ بعد، تأريخيا كان أو اجتماعيا، أو اقتصاديا، أو سياسيا، أو قانونيا».
وتعد المسألة العقارية واحدة من أهم موضوعات التحول الاجتماعي في موريتانيا، وهي تشكل في بلد كموريتانيا، قضية شائكة يتداخل فيها العديد من العوامل ذات التأثير سواء كانت عوامل تأريخية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو قانونية، أو سياسية، تتشابك لتزيد المسألة تعقيدا وحساسية.
وعلى مر العقود الخمسة التي مرت على تأسيس الدولة الموريتانية المعاصرة، وبرغم بعض الجهود، فإن المشاكل ما فتئت تتفاقم والتراكمات تتزايد في مؤشر على فشل «الدولة الحديثة» في معالجة التحديات التي تطرحها هذه المسألة سواء على صعيد الإسكان أو الاستصلاح الزراعي أو الاقتصاد الفلاحي.
نواكشوط – « القدس العربي»