ينتظر عشاق كرة القدم الحقيقية بفارغ الصبر، القمة الفرنسية – الإسبانية النارية التي ستجمع عملاق أوروبا وكبيرها على مر العصور ريال مدريد، بمنافسه الشرس باريس سان جيرمان، على ملعب «سانتياغو بيرنابيو» مساء الأربعاء المقبل في ذهاب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، قبل أن يستضيف ملعب «حديقة الأمراء» لقاء الإياب المصيري، الذي سيُحدد هوية المتأهل للدور ربع النهائي مساء الثلاثاء الموافق السادس من مارس/اذار المُقبل.
قارئة الفنجان
علمتنا الساحرة المستديرة انها في بعض الأحيان تُدير ظهرها ولا تَنصف حتى من يستحق الفوز، وأحيانا أخرى تُغير التاريخ بكرة على العارضة ترتد بلُعبة ضالة أو ركلة ثابتة تسكن الشباك، كما فعلت اليونان في معجزة 2004، وكوريا الجنوبية التي أطاحت بإيطاليا وإسبانيا في مونديال 2002، وغيرها من الأمثلة التي تجعلك تتوخى الحذر قليلاً قبل توقع نتيجة أي مباراة، والدليل اننا نُلاحظ دائما في حديث مدربي الفرق الكبرى، ظهور كلمة «الاحترام» أكثر من مرة، خصوصا عندما يزور ملاعب الفرق الصغيرة، ومثل هذه التصريحات تُفسر على أنها مجاملة أو إطراء أكثر منها حقيقة، لكن من يعرف كرة القدم، يفهم ويُدرك كم هي «غدارة» بصوت الراحلة وردة، التي ألهمتنا وألهمت قبلنا كثيرين من المُعلقين والنقاد لاستخدام نفس المُصطلح، في لحظات الجنون. ومن ينسى صرخة عصام الشوالي في تعليقه على هدف رسام برشلونة أندريس إنييستا في تشلسي؟ فما بالك بالمدربين واللاعبين!
وما يبدو واضحا الآن، أن كل التوقعات تَصب أكثر في مصلحة كتيبة أوناي إيمري، نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها الفريق الملكي، الذي تّحول من النقيض إلى النقيض في ظرف شهر. من يَصدق أن اللاعبين الذين سطّروا التاريخ، بتحقيق خمس بطولات للمرة الأولى في عام واحد، هم أنفسهم من أعادوا الفريق لنقطة الصفر، بالخروج من كأس الملك على يد ليغانيس، والابتعاد عن متصدر الليغا برشلونة بـ19 نقطة كاملة (قبل بداية الأسبوع الـ23)، على عكس الفريق الباريسي الذي يُقدم المعنى الحقيقي لكلمة «السحر الكروي» منذ بداية الموسم، سواء على المستوى المحلي أو القاري، بفضل الثلاثي الهجوم المُرعب نيمار وكافاني ومبابي، ولا ننسى أننا نتحدث عن فريق يملك أقوى خط هجوم في دور المجموعات، زار شباك خصومه 25 مرة، في المقابل اهتزت شباكه أربع مرات فقط، منهم ثلاثة في اللقاء الختامي أمام بايرن ميونيخ، والذي كان مُجرد تحصيل حاصل بعد حسم صدارة المجموعة مُبكرا.
وتشعر مع كل تعثر لريال مدريد في الأسابيع الماضية، وفي الوقت ذاته استعراض باريس سان جيرمان قوته المُفرطة على الفرق الفرنسية بانتصارات عريضة وساحقة، أن لسان حال المشجع المدريدي بينه وبين نفسه يقول: «طريقك مسدودُ مسدودُ يا ولدي»، وأسوأ من ذلك الإحصاءات التي تتحدث عن التفكك المُخيف بين الثلاثي «بي بي سي»، والذي وصل لتمريرة واحدة قدمها بيل لبنزيمة من أصل 23 تمريرة في مباراتي فالنسيا وليفانتي، أما الفرنسي فاكتفى بالتمرير لرونالدو 4 مرات ولزميله الويلزي مرتين من إجمالي 48 تمريرة في المباراتين، والأمر ذاته للدون، هو الآخر تذكر زميليه 5 مرات في تمريراته الـ25، بجانب الرقم المفزع الذي يقول أن الشباك اهتزت ست مرات بعد الدقيقة 82 هذا الموسم أمام فوينلابرادا ونومانسيا في الكأس، وتكرر الأمر في الليغا ضد فياريال وبرشلونة، والأسبوع الماضي أمام ليفانتي، مع الحصيلة التهديفية المتواضعة جدا لبنزيمة وبيل مقارنة بنيمار وكافاني، وصداع الجبهة اليمنى، بعد تأكد غياب المدافع الأيمن الأساسي داني كاربخال، بسبب العقوبة المفروضة عليه من لجنة انضباط اليويفا، لتعمده الحصول على بطاقة صفراء ثانية أمام أبويل القبرصي في الجولة الخامسة.
هل انتهى الحلم الجميل؟
لا خلاف أبدا على أن زيدان يتحمل الجزء الأكبر من كوارث الريال المحلية، على الأقل لأنه لعب دور «العراّب» في الجريمة التي ارتكبها الرئيس فلورنتينو بيريز في حق النادي وجماهيره، بمواصلة الاعتماد على سياسة التقشف بشكل مُبالغ فيه، حتى بعد الأرباح الخيالية التي حققها النادي باحتفاظه بالأبطال عامين متتاليين، بخلاف الاستثمار في ألفارو موراتا ودانيلو وخاميس رودريغز، وترك المدافع المُخضرم بيبي يرحل بالمجان، ومع ذلك اكتفى بشراء طابور من الشباب، ليس فقط أقل من مستوى المغادرين، بل بحاجة لاكتساب مزيد من الخبرة، للجلوس حتى على مقاعد بدلاء الريال، لذلك كان طبيعيا أن يَحدث هذا الانهيار على المستوى المحلي، نظرا للتفاوت الكبير في جودة الأساسيين والشباب الجدد، وتجلى ذلك في الصعوبة البالغة التي يُعاني منها زيزو، في نظام المداورة، فبعدما كان يملك دكة بدلاء بوزن الذهب لا تّقل كفاءة ولا جودة من الأساسيين، لم يَعد أمامه سوى ما زرعه في بداية الموسم، لكن دعونا نكون متفقين أنه ما زال يملك قائمة أساسية قادرة على إرهاب أي منافس، خاصة في المواجهات الكبرى التي تُلعب على تفاصيل بسيطة، أو بمعنى آخر المباريات التي تظهر فيها خبرات اللاعبين، والخبرة تكاد تكون آخر سلاح يملكه المدرب الفرنسي قبل الاصطدام بأبناء جلدته، متمثلة في عاشق الكأس ذات الأذنين كريستيانو رونالدو، الذي يستمد قوته من نشاط المسابقة، وفي السنوات الأخيرة أصبحت بوابته ومحطته الأهم في صراعه على جائزة الأفضل مع غريمه الأرجنتيني ليونيل ميسي، ومبابي نفسه حذر من غدر صاروخ ماديرا في بطولته المُفضلة.
لو عُدنا بالذاكرة إلى الوراء، 12 شهرا من وقتنا هذا، سنتذكر أن رونالدو كان يمر بظروف ربما أسوأ من ظروفه الآن، يكفي أنه حتى رحلته إلى ألمانيا لمواجهة بايرن ميونيخ في ذهاب دور الثمانية، كان في سجله هدفان، الأول أحرزه في شباك فريقه السابق سبورتنغ لشبونة في افتتاح دوري المجموعات، والثاني في لقاء الجولة الثانية من ركلة جزاء في شباك بوروسيا دورتموند، وظل صائما عن التهديف ست مباريات متتالية، قبل أن ينفجر في البايرن وأتلتيكو مدريد ويوفنتوس بتسجيل 10 أهداف في خمس مباريات، ليخطف لقب هداف المسابقة من ليو للمرة الخامسة على التوالي، والطريف أيضا أنه كان فائزا لتوه بجائزتي أفضل لاعب في العالم من الفيفا و«فرانس فوتبول». الفارق الوحيد الآن أنه يتصدر هدافي الأبطال بتسعة أهداف، لذا تضع الجماهير آمالاً عريضة على قائد البرتغال، ليُكرر سيناريو الموسم الماضي، بالصورة التي رسمها لنفسه على مدار السنوات الماضية في البطولة التي يُعتبر هدافها التاريخي، وإلا سيستفيق وهو ورفاقه على أسوأ كابوس بعد الحلم الجميل، ومما لا شك فيه أن خروج الريال من دور الـ16 على يد سان جيرمان بعد الانتكاسات المحلية، ستكون عواقبه وخيمة على النجوم قبل المدرب، ربما ترتقي لمصطلح «مذبحة كروية»، في ظل تزايد الشائعات والتقارير التي تتحدث عن اقتراب رحيل ثلاثي الهجوم، لرغبة رئيس النادي في تجديد دماء الهجوم بالذات، ونعرف جميعا أنه عندما يغضب بيريز، يكون الوجه الآخر لمالك تشلسي رومان آبراموفيتش.
الشيء المتفق عليه، أنه من الناحية الكروية لن تكون مفاجأة صارخة إذا تأهل الريال على حساب سان جيرمان، فصحيح أن الأخير الأوفر حظًا والأكثر تماسكا وإلخ، لكن شخصية البطل قد تُغير كل شيء على أرض الملعب، ربما تُساعد اللاعبين على تَحمل الضغط أكثر من الفريق الباريسي، الذي على أرض الواقع، سيخوض أول اختبار حقيقي هذا الموسم، للحكم على قوة المشروع الذي كلف الإدارة ما يزيد عن ربع مليار يورو الصيف الماضي.
فقط يواجه زيدان مشكلة حقيقية على أرض الملعب، وتكمن في غياب الظهير الأيمن القادر على الصمود أمام نيمار، والحديث عن كاربخال، لكنه يستطيع سد الثغرة بالاعتماد على ثلاثة مدافعين في الخلف، بوضع راموس وفاران وعلى اليمين ناتشو، الذي أجاد من قبل في هذه الطريقة أمام إشبيلية، ويُجيد أيضا اللعب كظهير أيمن، مع إعادة بيل لمركزه الذي يحفظه عن ظهر قلب منذ كان يافعا مع توتنهام، كظهير أيمن أو أيسر على الورق في أسلوب 3-4-3 أو 3-5-2، وبوجود نانتشو وبالقرب منه بيل (بشرط أن يكون في أفضل حالاته) في الرواق الأيمن، يكفي من الحد من خطورة جبهة نيمار المرعبة، ولمّ لا تكون الورقة الرابحة، والمفارقة هنا أن ناتشو الذي تدفعه كل الظروف لمراقبة أغلى لاعب في العالم، هو من وقّع على آخر هدف في لقاء رسمي مباشر بين الفريقين، عندما قاد الريال للفوز على سان جيرمان بهدفه الوحيد في دور المجموعات قبل عامين، علما أن كل فريق فاز على الآخر مرتين والتعادل حضر في مناسبتين أيضا في المواجهات الست السابقة بينهم، لذا أقل ما يُمكن قوله، أنه من الصعب جدا التنبؤ بانتصار عريض لسان جيرمان أو العكس، فقط علينا الاستمتاع بـ180 دقيقة من أرقى أنواع الكرة الجميلة.