أنذر شح التساقطات المطرية هذا العام بدخول موريتانيا موجة جفاف يخشى من تبعاتها على الثروة الحيوانية التى هي عماد حياة معظم الموريتانيين، لكن أول مخاطر الجفاف العاجلة قد لطمت على ما يبدو الحياة السياسية، وبخاصة ما أسماه بعض المراقبين محاولة بعث خلايا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الحاكم فى موريتانيا.
جفاف آخر غلب على العلاقة ما بين قيادات الحزب، ضرب خطط إصلاحه في الصميم، فقد برز الخلاف بين هذه القيادات إلى السطح، مع خطاب الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز فى النعمة فى 3 من مايو 2016، الذى أعلن فيه نيته إلغاء مجلس الشيوخ، تولت الحكومة « شرح مضامين الخطاب » ليبدأ الصراع الذي وصل في كثير من المناسبات إلى الإعلام.
لم يتمكن الرئيس الموريتاني من كبح خلافات بين وزيره الأول والحزب الحاكم، كادت تعصف بتماسك الأغلبية الحاكمة، إذ أضحى نقد الحكومة وتسييرها عادة يومية لسياسيين، ومدونين محسوبين على الحزب الحاكم، أو أحد الأحزاب المنضوية تحت الأغلبية.
بعد الزخم الذى رافق انتخابات حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية ـ تواصل ـ أكبر أحزاب المعارضة الممثل فى البرلمان، حاول الرئيس الموريتاني لمّ صفوف الأغلبية عبر إعادة الثقة للحزب الذى يشاع عنه انتقاده كثيرا لأدائه، اجتمع ولد عبد العزيز برئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم، والوزير الأول يحيى ولد حدمين، وهو ما بدا للوهلة الأولي بداية التوافق بين الطرفين، وإن لم تكن اختيارية.
خرج الاجتماع بخارطة تضم نقاطا محددة لإصلاح الحزب الحاكم، وفى محاولة الإصلاح إقرار بالفساد، على الأقل فساد ظهر فى إقصاء الحزب وقادته من الواجهة، منذ الحملة الممهدة للاستفتاء عالى التعديلات الدستورية، غير أن ما رشح من أخبار عن الاجتماع الثلاثي لم يحدد تفاصيل تشخيص رأس الدولة لما بات يعرف إعلاميا بأزمة الأغلبية.
أمر الرئيس بتشكيل لجان يعهد إلى كل واحدة منها بملف ضمن الجهود المشتركة لبعث الحزب الحاكم، بيد أن الخلاف بين الوزير الأول، ورئيس الحزب الحاكم تسلل إلى اجتماعات اللجان وهو ما ظهر فى تباين الآراء بين أعضاء اللجان، استحالت الاجتماعات نسخا موسعة من الخلافات، وفقا لمصدر قريب من اللجان.
عادت اللجان مجدداً إلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أمس الاثنين، فى لقاء وصفته مصادر لـ « صحراء ميديا » بأنه كان من أجل تذليل الصعاب، دون كشف تفاصيل أكثر.
وقال المصدر مفضلا حجب هويته إن تباين الآراء بين أعضاء اللجان حال دون إنجاز التقرير الأولي الذي كان من المتوقع رفعه إلى الرئيس مطلع الشهر الجاري، بينما تؤكد المصادر أن أغلب أعضاء اللجان رفض فكرة بدء حملات الانتساب فى الوقت الحالي، إذ الجفاف يضرب كل المناطق التى تعرف بأنها الخزان الانتخابي للحزب، ويعلل الأعضاء رفضهم بأن التوجه إلى تلك المناطق لأمر غير حل مشاكل الجفاف يعد مجازفة لا تؤمن عواقبها.
لكن المصادر أكدت أن لجنة الإصلاحات السياسية ستعقد اجتماعا الخميس المقبل يرأسه وزير الدفاع الوطني ممادو جالو باتيا، وبحضور رئيس الحزب الحاكم سيدى محمد ولد محم.
وأكد المصدر ذاته أن قصر المؤتمرات فى نواكشوط سيشهد اجتماعات عامة رجح أن تكون نهاية الشهر الحالي.
وإزاء الخلاف السياسي المحتدم بين أطراف الأغلبية أضاف تصريح الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة غموضا على المستقبل السياسي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذى بدأ عام 2009 حاكما لموريتانيا، وربما تمثل سنة 2019 نهايته تماما ككل الأحزاب التى حكمت موريتانيا، إذ تموت بانقضاء فترة مؤسسها.
بينما يرى آخرون أن العام المقبل ربما يشهد بعثا جديدا للحزب بتولي شخصية منه خلافة ولد عبد العزيز على رئاسة موريتانيا، أو ربما قد يتحول ولد عبد العزيز من رئاسة البلاد إلى رئاسة الحزب، تماشياً مع رغبته في ممارسة السياسة بعد التنحي، التي عبر عنها في أكثر من مرة.
لكن سابقة موالاة الرئيس، ومعارضة الحكومة، تبقى بدعا فى الفعل السياسي الموريتاني المعاصر، اجترحها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
صحراء ميديا