بصم المدرب الإسباني أوناي إيمري على نهاية رحلته مع باريس سان جيرمان، لإخفاقه في تحقيق هدف رئيس النادي ناصر الخليفي، بقيادة «إلبي إس جي» لأبعد مكان في بطولته المُفضلة دوري أبطال أوروبا، أو على الأقل تجاوز عقدة الدور ربع النهائي، الذي لم يتخطاه الفريق منذ استحواذ رجل الأعمال القطري على أسهم «حديقة الأمراء» عام 2011، رغم حجم الإنفاق الهائل الذي وصل لأكثر من ربع مليار يورو في الميركاتو الصيفي الأخير، لضم جواهر من نوعية نيمار وكيليان مبابي.
المُثير للدهشة، أن الإدارة الباريسية نصبت أوناي ملكا لـ»حديقة الأمراء» في صيف 2016، ليُخلص الفريق من عقدة الوقوف عند الدور ربع النهائي، نظرا لنجاحه المُدوي مع فريقه السابق إشبيلية بقيادته للاحتفاظ ببطولة الدوري الأوروبي (اليوربا ليغ) ثلاث مرات متتالية، لكن على أرض الواقع، لم يُقدم أي جديد لعملاق عاصمة الضوء، باستثناء السحر الذي قدمه المُبدع نيمار، قبل إصابته الأخيرة التي أفقدت الفريق أكثر من 50 أو 60٪ من قوته الضاربة الهجومية في ليلة السقوط أمام ريال مدريد في إياب الدور ثمن النهائي، والتي جاءت في توقيت الذكرى الأولى لفضيحة ريمونتادا «كامب نو»!
هل عاد باريس خطوة إلى الخلف؟
يُمكن القول أن صانع الألعاب جوليان دراكسلر لخص مأساة سان جيرمان في تصريحاته بعد الهزيمة من الريال في قلب عاصمة الضوء، وقال: «أنفقنا ملايين ولم يحدث أي جديد». صحيح هو حزين على وضعه بعدم حصوله على فرصته في غياب نيمار، لكنه أصاب كبد الحقيقية. والدليل على ذلك الخروج غير المتوقع من دور الستة عشر مرتين على التوالي، بعد البداية الصاروخية لمشروع مدير قنوات «be IN» في مواسمه الأربع الأولى، عندما بدأ يرسم لنفسه صورة المارد الذي لا يَقل جودة ولا كفاءة عن زعماء أوروبا. ولعلنا نتذكر كيف أفلت البارسا بأعجوبة من براثن الفريق الباريسي تحت قيادة الإيطالي كارلو أنشيلوتي في ربع نهائي موسم 2012-2013، آنذاك انتهت مباراة التعادل في «حديقة الأمراء» 2-2، وفي الإياب تعادل الفريقان 1-1، في واحدة من أصعب وأشرس المواجهات التي حسمها ميسي ورفاقه بشق الأنفس.
الشاهد، أن أول ثلاث سنوات في عصر نهضة سان جيرمان وارتفاع سقف طموحه لمعانقة أعرق الكؤوس الأوروبية، كانت جيدة وترتقي لمُصطلح «مُبشرة»، يكفي أنه لم يكن أبدا بالشخصية الانهزامية التي صدرها إيمري للاعبيه، بالذات في المباريات الكبرى، عندما يأتي دوره في إجراء تبديلات. تشعر في بعض الأحيان أنه يفقد صوابه بقرارات لا تُصدق، كما سلم «عُنقه» لزيدان في آخر دقائق مباراة الذهاب، بإخراج إدينسون كافاني، في الوقت الذي كان فريقه الأقرب لخطف هدف يقتل البيرنابيو «إكلينيكيا». ليدفع الضريبة باستقبال هدفين في غمضة عين، ناهيك عن تخبطه في إدارة مباراة الذهاب، بعدم البدء بتشكيل مناسب للمباراة، وتجاهل لاعب مثل دراكسلر، الوحيد القادر على إلزام كاسيميرو في البقاء في منتصف ملعبه، لقدرته الهائلة على التوغل من العمق والأطراف، فقط أفرط في الاعتماد على الكرات العرضية، لاعتقاده بأن راموس وفاران من السهل اختراقهما من العرضيات، لكنه وجد النقيض، لدرجة أن دفاع الريال كان يسمح لداني ألفيش ويوري بيرشيش بإرسال الكرات العرضية من أي مكان في الثلث الأخير من الملعب، لسهولة تعامل راموس وفاران معها.
من النقاط السلبية التي أظهرت افتقاد سان جيرمان للمدرب القادر على ترويض هذا الكم الهائل من النجوم، التحضير الذهني السيئ للاعبين، فالبداية لم تكن حماسية كما انتظرت الجماهير الباريسية. شاهدنا فريقا مُستسلما تماما، وكأنه يخوض مباراة خارج قواعده، وبدون مبالغة، شعرت بشكل شخصي في أول 35 دقيقة وكأن الريال يلعب واحدة من سهراته السهلة في الليغا، وليس أمام أقوى المرشحين لإنهاء عصر احتكار زيدان ورونالدو. وكان واضحا تفوق الفريق الإسباني بطول الملعب وعرضه، حتى لحظة طرد فيراتي في منتصف الشوط الثاني، فقط بعدها غلب الطابع الفردي على اللاعبين، وهذا ببساطة لأن الأمور حُسمت والنتيجة أثناء الطرد 1-0.
ابحث عن السبب
يرى البعض أن الإدارة تتحمل جزءا من الخروج من دوري الأبطال، لأنها أجبرت فيراتي على البقاء، وفي النهاية دفعت الثمن، في لحظة طرده «شبه المجاني»، الذي تم تفسيره على أنه نابع من غضب وكبت اللاعب لمنعه من تحقيق حلمه بخلافة الأسطورة تشافي هيرنانديز في «كامب نو»، بخلاف الانتقادات الحادة للإصرار على الإبقاء على المدرب، حتى بعد الهزيمة النكراء أمام برشلونة 6-1 العام الماضي، وهؤلاء من يُطالبون بإسناد المهمة الصعبة لمدرب يملك من «الكاريزما» من يكفي لفرض كلمته على النجم الكبير قبل الصغير، لأن في حقيقة الأمر إيمري لم يُقدم أوراق اعتماده ليكون الرجل المناسب للمرحلة القادمة، وإدارته الضعيفة جدا في المباريات الأوروبية الحاسمة انعكست على شخصية الفريق، وأظهرته وكأنه على مسافة بعيدة جدا من الجادين في الفوز بدوري الأبطال، أو زعماء أوروبا المُرشحين دائما وأبدا للفوز بالبطولة. والحل؟ مدرب يتمتع بخبرة لا بأس بها على المستوى الأوروبي. ويُقال أن الخليفي يُخطط لشراكة مُحتملة مع كشاف النجوم آرسن فينغر، إذا قرر إنهاء مسيرته الأسطورية مع آرسنال الممتدة منذ أكثر من عقدين. أما بشكل شخصي؟ أتصور أن الاقتراح المثالي سيكون كارلو أنشيلوتي. فهو يعرف سياسة النادي ويتحدث الفرنسية بطلاقة بحكم عمله السابق مع الفريق، اضافة إلى خبرته العريضة في بطولة أوروبا، التي فاز بها ثلاث مرات كمدرب.
دوري أبطال مدريد!
هكذا أطلق عشاق ريال مدريد العنان لأنفسهم بعد قهر كبير عاصمة الضوء ذهابا وإيابا، رغم أن جُل التوقعات كانت تصب أكثر في مصلحة الفريق المنافس، بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها الريال على خلفية النتائج الكارثية على المستوى المحلي، لكن شخصية البطل التي لا تُقدر بثمن صنعت الفارق، مع الإدارة العبقرية لزين الدين زيدان، وهو يُعطي تعليماته من خارج الخطوط، بتقسيم مثالي للمباراة، بالبدء بنسق هادئ في أول ربع ساعة، ثم تصاعد بشكل تدريجي إلى ان انفجرت القنبلة في وجه إيمري ورجاله بهدف رونالدو، كما استعان بالبدلاء في الوقت المناسب، كما فعل بإشراك غاريث بيل وإيسكو في آخر دقائق المباراة، لإحكام سيطرته على الوسط، وإخماد انتفاضة المنافس وهو بعشرة لاعبين، ومباراة كهذه، أثبتت بشكل عملي أن موسم الريال انهار على المستوى المحلي بسبب عدم وفرة البدلاء، ونحن هنا ذكرنا أكثر من مرة مُصطلح «زيدان يملك تشكيلة أساسية قادرة على إرهاب أي فريق أوروبي»، أي في الغالب لن يخسر زيزو منصبه فور انتهاء الموسم، فقط ستقوم الإدارة بضم لاعبين أو ثلاثة على نفس مستوى موراتا وخاميس وبيبي لتفادي ما حدث في الليغا وكأس إسبانيا، وبالمستوى الذي ظهر به في «حديقة الأمراء»، سيجعل فرق أوروبا تتمنى عدم مواجهته في الدور المقبل، إلا إذا كان لبرشلونة أو السيتي أو أي منافس رأي آخر، لإنهاء مُسمى «دوري أبطال مدريد»، الذي أطلقته جماهيره مؤخرا من باب التفاخر بنتائج فريقها في بطولته المُفضلة.
سرقة مشروعة
كالعادة، دفع توتنهام ثمن استهتار لاعبيه وقلة خبرتهم في المواعيد الكبرى، أو بالأحرى في الأوقات الحاسمة، فما حدث أمام يوفنتوس، أعاد إلى الأذهان الطريقة التي خسر بها هاري كاين ورفاقه لقب البريميرليغ في آخر عامين، ففي الوقت الذي يصل فيه الفريق لقمة الاستحواذ والهيمنة وخلق الفرص، يكون من السهل جدا أيضا أن تستقبل شباكه أهدافا مجانية، وهذا ما حدث أمام السيدة العجوز، بعد تفوقه ووصوله لمرمى بوفون في ثلاث أو أربع فرص مُحققة بخلاف التقدم بهدف، استقبلت شباكه هدفين في دقيقتين، لكن بوجه عام، يُمكن القول بأن الفريق اللندني استفاد كثيرا من مشاركته في البطولة هذا الموسم، وإذا حافظ الرئيس دانيال ليفي على مشروع ماوريسيو بوتشيتينو ولم يُفرط في أي نجم، وخصوصا هاري كاين بعد الانتهاء من بناء الملعب الجديد، سيكون توتنهام مصدر قلق لكبار أوروبا، بعد تجرؤه على الملكي في دور المجموعات، أما الخطر الحالي، فهو مانشستر سيتي، الذي ستتكشف نواياه الحقيقية بداية من الدور ربع النهائي، حيث سيتفرغ للريال وبقية الطامعين في الكأس ذات الأذنين بعدما يحسم لقب البريميرليغ بشكل رسمي، وهذه مُجرد مسألة وقت لا أكثر، ولا داعي للحكم على مباراة بازل التي خسرها، فهي لا تختلف كثيرا عن مباراة ختام دور المجموعات التي خسرها أمام سيسكا موسكو، أي مباراة تحصيل حاصل أشبه بالمباريات الودية، لذا من المؤكد سنكون على موعد مع سهرات كروية من نوع خاص في الدور ربع النهائي.
من عادل منصور