لقي شيخ الأزهر أحمد الطيب حفاوة رسمية كبيرة خلال زيارته التي أنهاها أمس لموريتانيا، لكنه واجه على صفحات التواصل تدوينات من عدد من قياديي إخوان موريتانيا بالغت في سبّه بشكل مقذع.
وأكد أحمد الطيب بعد مقابلة للرئيس الموريتاني أمس «أنه خصص لقاءاته لتطوير العلاقات الثقافية بين الأزهر الشريف والمحاظر (المدارس) الموريتانية باعتبار موريتانيا مركز الصمود الأقوى في القارة بأكملها وربما في عالمنا العربي والإسلامي من حيث تعليمها بأمانة للإسلام بمفاهيمه الصحيحة وما اتفق عليه جمهور المسلمين وما درج عليه علماء الأمة الإسلامية».
وقال: «ما يدرس في موريتانيا، يشكل المناعة المطلوبة الآن لمحاربة التطرف والغلو الذي أدى بنا الى أن يسفك بعضنا دماء بعض وأن يعرض الإسلام للتيارات العاتية الأخرى التي تريد المساس بأقدس ما لدى المسلمين من قوة وعز وأعني بذلك الإسلام وثقافته».
وأعلن أحمد الطيب «أنه اتفق مع المسؤولين الموريتانيين على تأسيس مركز تابع للأزهر باسم «الإمام الاشعري»، فقد آن الأوان، يضيف شيخ الأزهر، لأن يسود بين المسلمين المذهب الذي لا يكفر الآخر ولا يفسقه ولا يبدعه ويستوعب اختلافات الأمة وعلمائها على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً». كما أعلن «عن تنشيط لتقديم منح الأزهر الشريف للطلاب الموريتانيين وعن تشكيل لجنة مشتركة لهذا الغرض». لكن هذه الحفاوة الرسمية التي قوبل بها شيخ الأزهر، نغصها هجوم مركز على صفحات التواصل من عدد من قياديي إخوان موريتانيا، كان أشده التدوينة التي كتبها القيادي الإخواني البارز محمد غلام ولد الحاج، الذي أكد «أن من سمّاه، شيخ الحزب الوطني الزائر اليوم لموريتانيا من الذين لا تتشرف بهم شنقيط ولا ترحب بهم أرض المنارة والرباط، فهو، حسب قول الكاتب، جزء من عصابة القتل والإجرام التي سفكت دماء المسلمين المعتصمين في رابعة، وبفتاواه ودعمه لا يزال سيف البغي والعدوان يرتع في أجساد المصريين قتلاً واغتصاباً».
وقال: «شيخ الانقلاب هذا لا مرحباً به في أرض شنقيط ولا سهلاً، فهو من طينة من تسعر بهم النار يوم القيامة إن لقي ربه بدماء الركع السجد في رابعة التي جلبت له البغض في الأرض وعصيان أمر السماء وقد تركت له نصرة فرعون وهاماناته عارا وشنارا في الدارين».
وأضاف الشيخ غلام «ربما لو سئل التاريخ عن الزائر لما وجد له من ذكر غير أنه وقف ذات يوم موقف غدر كسيح الناصية في تحالف مع أهل الصليب لإجهاض مشروع إسلامي كان يمثل أمل الأمة في الخلاص والتحرر من ربقة حفنة عفنة من أهل التزلف وشرذمة الآكلين بدينهم المتحالفين مع عدوهم». وكان محمد جميل منصور القيادي الإسلامي البارز أكثر مرونة، حيث أكد في تدوينة له عن شيخ الأزهر «رأيت في موقف الدكتور أحمد الطيب مخالفة واضحة لما ينبغي أن يكون عليه موقف عالم بحجم شيخ الأزهر في مرحلة كالتي تمر بها مصر، فبدل الصدع بالحق وحتى الاعتزال والسكوت، رضي أن يكون من مكونات مشهد الانقلاب الدموي للسيسي الذي قتل حلم المصريين وسفك دماءهم وخرّب بلدهم فأعطى بذلك صورة شائهة عن علماء المسلمين وسهولة خضوعهم للتغلب والظلم والاستبداد».
«ولا إشكال، جميل منصور، في نقد هذا الموقف وتوضيح مثالبه الظاهرة البادية والتي لا يخطئ رؤيتها إلا …».
وقال «كان الأزهر الشريف وكانت بعثاته خصوصا، في إفريقيا لنشر العلم والقيام عليه من قبل أكبر مؤسسة علمية وعلمائية في العالم السنّي، فأن تتحول إلى عنوان للترويج لخطاب سياسي وحلف سياسي، القرائن تتكاثر وتتعزز على خطره على الأمة ودينها وحريتها ومستقبلها، فأمر مؤسف». وانتقد القيادي الإسلامي التحامل على شيخ الأزهر وقال «بعض الذين كتبوا وعلقوا عبارات نابية لا تناسب ولا تليق وهي بالمناسبة ظاهرة انتشرت أخيراً، ولا تليق بمن يستعملها، فالفجور في الخصومة خطأ ولا يبرره حجم مخالفة المعني ولا خروجه عما نراه حقاً، فالقدح والشتم واستسهال العبارات المعبرة عنهما سلوك مستهجن، والفكرة الطيبة والموقف الجيد يستلزمان الأسلوب الطيب والعبارة اللائقة».
ونظر المدون البارز محمد محفوظ ولد أحمد لزيارة شيخ الأزهر لموريتانيا من زاوية أخرى حيث دون قائلا «مع تبدل الأزمنة وتطور العالم، احتفظ الأزهر الشريف بمكانته تلك، وظل موضع الاحترام والاستقلال والتوجيه سواء تحت حكم العثمانيين أو الحكم الملكي، وحتى تحت الاستعمار البريطاني الخبيث، ما تجرأ حاكم على النيل من هذا الصرح العلمي التاريخي ولا تحجيم دوره، حتى جاء النظام القومي «العروبي الإسلامي الوطني بعد انقلاب 1952، فأمم الأزهر واستولى على ممتلكاته وأوقافه ثم دجنه وأصبح يتحكم في إدارة شؤونه، فأسقط بذلك دوره ووضعه تحت سيطرة وأهواء الساسة حتى صار مجرد مؤسسة سياسية حكومية، وأداة في يد السلطة الحاكمة تشرع بها ما تشاء من صغائر الأمور وحقائر السياسات المحلية، ناهيك عما لحق بمناهجه وأدواره العلمية العظيمة من تحريف وتقزيم وتحكم».
وقال «حين أهين الأزهر واستُصغر شأنه وتحكم الساسة في قيادته، أصيبت مصر كلها وتقزمت وتراجع دورها الريادي التاريخي العظيم»
القدس العربي