أثارت أساليب حملة الانتساب الكبرى التي يبدأها اليوم الأربعاء حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا والتي أكد خصوم النظام أنها «تجمع بين الترغيب والترهيب»، احتجاجات واسعة داخل أوساط المعارضة.
وتتحدث وسائل الإعلام الموريتانية المحلية منذ أيام عن حملة كبرى يقوم بها نشطاء حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في أحياء العاصمة لجمع بطاقات التعريف والتعويض عنها من رجال أعمال يسعون لإظهار شعبيتهم وقدرتهم على تأسيس أقسام وفروع جديدة للحزب الحاكم ضمن حملة الانتساب التي تنطلق اليوم.
ورد سيدي محمد ولد محمد رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على هذه الاحتجاجات بتغريدة على حسابه في تويتر، قال فيها: «حملات تشويه لا حد لها بحق حزبنا، تصدر عن عقول لا تملك ذرة من ثقافة ديمقراطية ولا تقيم وزناً للآخر، الانتساب لحزب الاتحاد، إخوتنا، هو عمل شخصي وحضوري، يلزم فيه حضور المنتسب شخصيا إلى مكتب التسجيل، ولا تقبل وكالته في ذلك، تلك هي مقتضيات النظام الداخلي ودليل الحملة وبشكل صارم».
واحتجت أحزاب في معارضة الوسط وأخرى في معارضة التشدد على إسناد تنفيذ حملة الانتساب للوزراء وكبار مسؤولي الدولة، وعلى فرض تمويل الحملة على رجال الأعمال، كما احتجت على جمع بطاقات التعريف مقابل مبالغ مالية لتسجيل أصحابها في قوائم الانتساب التابعة لهذا الحزب.
وتحدث منتدى المعارضة الموريتانية الذي يجمع أحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في بيان وزع أمس عن «إرغام عمال الدولة والوجهاء ورجال الأعمال، بالترغيب والترهيب، على الانخراط في حزب السلطة وخدمة مشروعها في فرض نفسها وإسكات كل الأصوات التي تطالب بالتغيير الديمقراطي في البلد».
كما توقف المنتدى المعارض عند ما سمّته «الحملة الواسعة والمكشوفة التي يقوم بها أنصار السلطة لجمع بطاقات تعريف المواطنين عن طريق الضغط والرشوة وشراء الذمم، وابتزاز رجال الأعمال لتحصيل مئات الملايين لتمويل حملة حزب السلطة، في الوقت الذي يخضع فيه كل من يساهم في تمويل نشاطات المعارضة الديمقراطية للمتابعة وتوجه له تهمة الرشوة وارتكاب الجرائم العابرة للحدود».
واحتج حزب التحالف الشعبي التقدمي بزعامة مسعود ولد بلخير رئيس البرلمان السابق وهو من أحزاب معارضة الحوار بشدة في بيان وزعه أمس على أساليب حملة الحزب الحاكم، مؤكداً «إدانته لما وصفه «بالتصرفات المشينة، غير الديمقراطية، والمؤذنة بالإصرار على التحكم في الانتخابات القادمة، وتكريس ثقافة الغش والتحايل والتزوير».
ودعا «الناشطين في مؤسساته وبخاصة منظمتي الشباب والنساء، والمنسقيات والأقسام والفروع، وأطر الحزب وكافة المناضلين للتصدي لهذا النهج وفضح مراميه، وتحصين المواطنين من العبث بأوراقهم المدنية، التي نالوا ما نالوا منها بشق الأنفس، وحماية حقهم في الإدلاء بأصواتهم بحرية، واحترام حقهم في الاختيار، ومحاربة شراء الذمم وأساليب الغش والتزوير».
ودعا الحزب «الشعب الموريتاني إلى رفض الرضوخ والانصياع لهذه المحاولات الرخيصة»، حسب تعبيره، وإلى حماية ما تم قطعه من خطوات خجولة، في المسار الديمقراطي ورفض الاستهانة بكرامته والاستهتار بحقوقه وقيمه».
وحث «النظام وحزبه الحاكم على الكف عن مثل هذه التصرفات، المعيقة للممارسة الديمقراطية، والمخلة بجميع الاتفاقات والتعهدات التي التزموا بها»، محذراً «من مغبة الاستمرار في هذا النهج بما يعنيه من استهانة بالمواطنين، واستهتار بالقوانين».
وأكد الحزب «أن مدينة نواكشوط، تشهد هذه الأسابيع، نشاطا مكثفا لنشطاء يسعون لجمع بطاقات التعريف، وتتواتر الأخبار أن الشيء ذاته عرفته كل الحواضر في داخل البلاد، وأن الحملة لا تستهدف غير من هم في سن الاقتراع، وخصوصا المواطنين من الفئات الأكثر هشاشة، والذين هم أقل حظاً في التعليم».
«واللافت للانتباه، يضيف حزب التحالف الشعبي التقدمي، أن الفاعلين الممارسين لهذا السلوك إما أن يكونوا منتسبين إلى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، أو موظفين في الإدارة العامة أو في قطاع التعليم، أو جنوداً أو رجال أمن عام، وفي كل الحالات يكون التذرُّع في هذه الحملة بتحقيق المصلحة الشخصية، أو التعهد بمقابل مادي من غذاء أو منفعة أخرى».
«إن هذه الحملة المبكرة التي جُنّد لها خلق كثير ووعود ووسائل غير محددة، يضيف حزب التحالف، لتنذر بأن النهج التقليدي الذي عهدناه قبل كل الاستحقاقات الانتخابية الماضية، والرغبة في توجيه الناخبين، ونزعة التحكم في اللوائح الانتخابية، وما يقود إليه ذلك من إضاعة حق الاختيار السليم، كلها تدل على أن تطوُّر الديمقراطية وتعافي الانتخابات مما كانت تعاني منه من اختلالات قاتلة، ليس إلا مجرد أوهام».
ودعا الدكتور محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح (معارض ومحسوب على الإخوان)، في تدوينة له أمس «الجميع لمواصلة التعبئة ضد سياسات النظام ومحاولاته الهادفة الى إعادة انتاج منظومته، والوقوف بحزم في وجه حملات تزوير الانتساب بعد تزوير الاستفتاء، وعدم إتاحة الفرصة لاستمرار نظام ثبت تجاهله لهموم ومشاغل السكان خلال السنوات العجاف العشر الأخيرة».
وتأتي هذه التجاذبات مقدمة لمعارك ما قبل الانتخابات النيابية والبلدية المقررة في النصف الأخير من السنة الجارية، بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعارضيه.
ويتوقع أن تكون هذه المعارك ضارية بالنظر لتوجه الحكومة نحو تنظيم الاستحقاقات القادمة على أساس ما تمخض عنه حوار 2016 الذي قاطعته المعارضة المتشددة ورفضها لأي حوار جديد مع خصومها في الساحة، وهو ما تعتبره المعارضة إقصاء ممنهجاً لها.
ودعت المعارضة الموريتانية قبل يومين «نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز للتشاور مع القوى السياسية الفاعلة حول تنظيم مسار انتخابي توافقي يطمئن الجميع ويضمن حياد الدولة، وخاصة السلطة التنفيذية، ومساواة الفرص أمام جميع الفرقاء لتحقيق تناوب حقيقي على السلطة على أعتاب استحقاقات نيابية وبلدية وجهوية فاصلة، وانتخابات رئاسية حاسمة في نهاية آخر ولاية لرئيس الدولة الحالي».
وحثت المعارضة «القوى الوطنية وكل المواطنين على الوقوف بقوة من أجل فرض مسار انتخابي توافقي يضمن حياد السلطة وتكافؤ الفرص أمام كل الفرقاء ويفتح الطريق أمام التناوب السلمي على السلطة، وفرض الوقف الفوري لعمليات الابتزاز والإكراه وجمع بطاقات التعريف وتسخير الدولة وموظفيها ووسائلها لصالح حزب السلطة».
وشددت المعارضة في بيانها على «فرض رقابة جادة وكاملة من لدن الهيئات الدولية ذات المصداقية والتجربة في رقابة الانتخابات، على غرار رقابة الانتخابات الرئاسية لسنة 2007، تلكم الرقابة التي ظل النظام يتهرب من طلبها، مكتفيا بالحضور الرمزي لمراقبين من هيئات محابية».
«القدس العربي»