بدأت موريتانيا تشعر بآلام مخاض التناوب على الرئاسة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل والتي يلزم فيها الدستور الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمغادرة كرسي الرئاسة وانتخاب خلف له.
وتكتسي الانتخابات الرئاسية المقبلة أهمية خاصة لكونها ثاني انتخابات تنظم من دون أن يترشح لها الرئيس المغادر، وهي بذلك تعتبر امتحاناً كبيراً للتناوب السلمي على الحكم في بلد لم تتداول فيه السلطة على مدى أربعة عقود إلا عبر الانقلابات العسكرية.
وتطرح خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز إشكالاً كبيراً حيث أن أنصاره متمسكون به وباستمراره في السلطة مهما كلف ذلك، بينما يرى معارضوه «أن مغادرته للسلطة ضرورة وطنية لكونه، حسب رأيهم، لم ينجز شيئاً يذكر على مدى عشر سنوات من الحكم المطلق».
ومع أن الرئيس، أكد أنه لن يعدل الدستور ليبقى في السلطة، فقد لمّح بأنه سيدعم الشخص الذي سيخلفه وهو ما اعتبرته المعارضة توجهاً نحو «إعادة إنتاج نظام ولد عبد العزيز بحيث يغادر الجنرال الكرسي، لكن يبقى مع ذلك، المتحكم في شؤون البلد».
وبدأ كبار الكتّاب والمراقبين من طرفي السلطة والمعارضة وخارجهما، يهتمون بقضية التناوب على السلطة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويناقشون الإشكالات المعقدة التي تطرحها خلافة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في رئاسة البلاد.
وضمن المقالات التي تناولت هذه الأيام إشكالية التناوب، كتب الدكتور هيبتنا ولد سيدي هيبه وزير الإعلام الأسبق تحت عنوان «تحدي التناوب على السلطة»، مؤكداً في مقال تحليلي مطول «أن إشكالية التناوب على السلطة هي أكثر من أي وقت مضى في قلب تطور الدمقرطة الجارية منذ التسعينات في غالبية الدول الإفريقية، بما فيها موريتانيا، بل إنها أصبحت شديدة الإلحاح في الفترة الأخيرة داخل هذا الفضاء الجيو- استراتيجي الذي تجري فيه التحولات العميقة في كل المجالات».
وقال: «نظرة سريعة على خريطة القارة الإفريقية تظهر بجلاء حضوراً لا سابق له لهذه الظاهرة، التي تحدد إيقاع الحياة السياسية على مستويات مختلفة بشكل شبه كامل لكل هذه البلدان، فبعض هذه الدول نجح نسبيا في أقلمة هذه الموجة السياسية والمؤسسية العارمة، في حين أن البعض الآخر لا يزال يعيش آلام هذا المخاض العسير».
وأضاف ولد سيدي هيبه، متحدثاً عن الرؤساء الأفارقة الذين قبلوا التناوب،: «هؤلاء الرؤساء الذين خرجوا من السلطة من الباب الواسع والذين عزفوا عن التدخل في اللعبة السياسية المحلية، أصبحوا في الغالب بعد ذلك شخصيات مرجعية عند الاتحاد الأفريقي وغيره من المنظمات، كوسطاء في العديد من الأزمات السياسية، وعلى عكس ذلك ثمة رؤساء آخرون، منتخبون بشكل مشتبه فيه أرغموا على مغادرة المشهد السياسي، لكونهم يصرون على الاستدامة في السلطة باللجوء الى حيل مثل تغيير الدستور».
«في الحقيقة، يضيف الوزير، بهذا السلوك انما يخترق هؤلاء الرؤساء، القانون ويخونون شعوبهم، كما يجعلون الرأي العام المحلي والدولي ضدهم، فعمى البصيرة والأنانية والجشع والجبن عوامل تتغلب لديهم على كل الاعتبارات الأخرى وبالخصوص ضرورة إعطاء الفرصة لبلادهم في الإقلاع ووضعها على سكة الديمقراطية والحرية».
وعن الحالة الموريتانية طرح ولد سيدي هيبه عدة أسئلة منها «ما هي وضعية موريتانيا اليوم؟ الى أين تتجه؟ هل هي قابلة للتصنيف في إحدى المجموعتين الآنفتي الذكر؟ أم أنه يوجد استثناء موريتاني؟».
وتتوزع الساحة السياسية الموريتانية حالياً بين موالاة متمسكة بالرئيس الحالي، ومعارضة ترى «أن نهاية مأموريات ولد عبد العزيز عام 2019، فرصة تاريخية سانحة للتغيير، ولإعادة الديموقراطية الموريتانية إلى وضعها الطبيعي بعد سنوات من الانحراف».
وتحت عنوان «لماذا ولد عبد العزيز هو الرجل الذي تحتاجه موريتانيا؟، أكد الداه صهيب وهو أحد كتّاب الموالاة، في مقال له أمس «أن حاجة البلد لمحمد ولد عبد العزيز باقية غير زائلة، فما في كنانتها مثله، وعلى عقلاء موريتانيا فهم ذلك، ومعرفة طريقة التعامل مع هذه الحقيقة.»
وأضاف: «اليوم يتدفق المواطنون بالآلاف على حملة الانتساب لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية لأن محمد ولد عبد العزيز هو رئيسه المؤسس، ولأن أعمال الرجل تقدم الحزب، وتقربه من المواطنين، وتمنحه تأشيرة عبور إلى القلوب، ليمنح هو البلاد تأشيرة عبور إلى المستقبل».
وتنشغل المعارضة الموريتانية بالطريقة التي ستتعامل بها مع انتخابات 2019 في مواجهة مرشح ترى أنه «مرشح السلطة»، حيث بدأت تدعو لتشاور وطني لا يعيره النظام أي اهتمام، والحقيقة أن المعارضة الموريتانية توجد اليوم في وضه لا تحسد عليه، فهي أمام خيارين أحلاهما المر: فإما أن تقاطع الانتخابات ويجد الرئيس الفرصة لتنفيذ مخطط خلافته بشكل مريح، وإما أن تشارك في انتخابات لا تتوافر فيها على ضمانات الحرية والشفافية، وتعوزها فيها وحدة الصف، ووحدة البرامج، وتنقصها فيه الوسائل المادية الضرورية لبلد يتحكم المال السياسي في استحقاقاته.
وتنتظر المعارضة هذه الأيام تقرير لجنة سياسية مكلفة باقتراح خطة التعامل مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمتوقع هو أن تقترح هذه اللجنة مرشحاً موحداً للمعارضة.
لكن المرشح الموحد يطرح إشكالاً كبيراً أمام المعارضة الموريتانية، حيث أنها بين خيارين إما أن ترشح شخصاً من خارج أحزابها وسيكون هذا المرشح ضعيفاً إذا هو فاز، أو تتفق على أكثر زعمائها قوة وتنتظم خلفه وهذا خيار بالغ الصعوبة لعدم استعداد أي من زعمائها لذلك إلا إذا دفع إليه الحرص على هزيمة «مرشح السلطة»، وعدم تكرار غلط الترشيحات المتفرقة في الانتخابات السابقة.
وقد حسم الوزير محمد فال ولد بلال السياسي المخضرم هذا الإشكال في تدوينة له أكد فيها أمس قوله: «يشاع بأنّ المعارضة تتجِه إلى ترشيح شخصية مستقلة من خارج أحزابها، لو سئلتُ عن رأيي المتَواضع، لنصحتُ بغير ذلك».
وقال: «يا جماعة الخير، إنّ أيّ مستَقل «تُـفَـبْـرِكُـونَـهُ» لن يأتي بأحسن مما تأتون به أنتم لأنفسكم بأنفسكم، متى كان المُنتَج أفضل من المنتِج !؟؛ إعلموا أنّ أي مرشح من هذا النوع سيكون لقمة سائغة في حلق مرشح الموالاة والمرشحين المستقلين الحقيقيّين، ولن يحصل على جهد وحماس مناضليكم وقواعدكم كما لو كان أحدكم».
«صحيحٌ، يضيف، أنّ الساحة في حاجَة إلى مرشّح مستقل، وصحيحٌ كذلك أنّ أي مرشّح مستقل «فعلاً» سيكون رقما صعبا في مقابل مرشح السلطة، ولكن عن أي استقلاليّة نتحَدَّث؟ نتحدّث عن استقلاليّة «حقيقيّة» يخرُجُ صاحبها كثائر أو منتَفِض أو مارِد على الطبقة السياسية التقليدية عموما ويُقنِع النّاخب أنّه قادِمٌ كبديل عن الجميع، وليس «منتَجا مصطنعا» لحاجة آنِيّة، أعتقد أنّ المعارضة، بَدَلاً من أن تُورِّط نفسها في «صَكِّ» مرشح من خارج أحزابها، عليها أن تُرشح نفسها وتتَفاوض بعد ذلك مع المرشحين المستقلين حَول الدّعم المتبادَل في الشوط الثاني 2019».
واختصر الوزير بلال اقتراحه على المعارضة قائلاً: «إنّ أفضل ما يمكن للمعارضة فعله الآن هو أن تتفق على برنامج رئاسي وحكومي مُوَحّد، وتجتهد وتختار أوفَر رؤساء أحزابها حظّاً، وتوَحِّد صفوفها وترمي بقواها كاملة خلفَه، وتتخلّى نهائيا عن فكرة المستقل «المُفَبْرَك»، وتفتح باب التحالفات في الشوط الثاني، وتضغط لفرض انتخابات شفافة ونزيهة».
القدس العربي