نواكشوط – «القدس العربي»: زوبعة كبيرة تلك التي أثارتها في موريتانيا وتثيرها حاليا، حلقة برنامج «خارج النص» الوثائقي، التي بثتها قناة «الجزيرة» الأحد الماضي وأعادتها أمس، والتي تناولت كتاب «كنت في ولاته»، الذي وثّق ظروف سجن وتعذيب زنوج موريتانيين عام 1987.
ووثق السجين السابق الملازم بوي آلاسان هارونا في كتابه «كنت في ولاته»، الذي ألفه ونشره عام 2000 عن دار «هارمتان» الفرنسية، مأساة عدد من الزنوج الموريتانيين الذين سجنوا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1987 في ظل نظام العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، بعد اتهامهم بتنفيذ محاولة انقلابية ذات طابع عرقي كانت في مراحلها الأخيرة.
واتهم الموقوفون الزنوج بالضلوع في المشروع الانقلابي، ونقلوا بعد محاكمتهم إلى سجن ولاته، سيئ الصيت، حيث دارت فصول واحدة من أفظع المآسي الإنسانية في التاريخ السياسي الحديث لموريتانيا.
وبمجرد الإعلان عن تاريخ بث الحلقة المثيرة، التي أدرج مراقبون بثها ضمن التوتر بين موريتانيا وقطر، تبادل المدونون المهتمون على صفحاتهم، توقيتها، ليتفرغ الكثيرون لمتابعتها ثم ليعرضوا انطباعاتهم عن الحلقة وعن كتاب «كنت في ولاته»، الذي لم يتمكن القراء العرب من مطالعته لتأليفه باللغة الفرنسية، رغم مرور ثماني سنوات على نشره.
وجاءت الانطباعات التي تابعت «القدس العربي» أطرافا منها عبر صفحات التواصل، مختلفة بين منتصرين لعرب موريتانيا دافعوا عن سجن وتعذيب انقلابيين عنصريين، ومتعاطفين مع الزنوج تألموا لما تضمنته الحلقة ولما اشتملت عليه شهاداتها من فظائع.
وهكذا أكد المدون البارز إسماعيل يعقوب «أنه لا يمكن الحكم على معاناة الموريتانيين الأفارقة في تلك الفترة من التاريخ السياسي بمعزل عن الحالة العامة في البلد والعالم، ولم تكن ثقافة حقوق الإنسان حينها قد بلغت ما بلغته الآن، ففي كل الأحوال سجانو التسعينيات لم يكونوا بالضرورة وديعين».
وقال «لكن برنامج «خارج النص»، وضع الفاجعة على الواجهة وسلّط الأضواء على الضحايا، وأعاد قراءة كتاب لم يقرأه معظم الموريتانيين، فمشكلة الإرث الإنساني الحقوقي في موريتانيا أنه مرتبط بالسياسة والحكم أكثر من ارتباطه بالدين والمجتمع، وأن ما كتبه الناجون من الضحايا مثل كتاب «جحيم إنال» لمؤلفه ماهامدو سي كله كان مكتوبا باللغة الفرنسية المنحسرة لدينا».
وأضاف «العرب والأفارقة من الموريتانيين طالما تعايشوا منذ الأزل؛ وسيبقون كذلك للأبد؛ لكن سيكونون أحسن إذا غابت الترجمة وانحسر الوسيط اللغوي الماوراء بحري، ونحن نحتاج على كل حال، عدالة انتقالية في هذا البلد تجبر الضرر وتتفادى تكرار الجرم».
«ونكء الجراح، يقول المدون، لا يحيي الموتى بقدر ما يميت الأحياء؛ لكنه مفيد حال المكاشفة الإيجابية، وليعلم الأحياء من الجلادين والضحايا أنهم أدموا مقلنا بعد عقود على تلك التراجيديا الصحراوية لا ردها الله، فلنصفُ لبعضنا البعض يصْفُ لنا وجه موريتانيا كما نراها وترانا».
ودافع المدون ألمامي بزيد عن نظام ولد الطايع قائلاً: «التعامل مع الانقلاب الفاشل كان دائما قاسيا: فانقلاب 16 مارس/آذار نفذه موريتانيون عرب وتم إعدامهم وانقلاب فرسان التغيير تم تعريض منفذيه العرب لأبشع أنواع التعذيب، فلماذا لم يذكر كل هذا في مقدمة البرنامج؟».
واختار محمد ولد أمين وزير الإعلام السابق مهاجمة الإخوان، فدون يقول «المضحك أن إخوتنا البولار تم تحصينهم ضد «الخوينجية» بفضل قرن كامل من انتشار اللغة الفرنسية وثقافتها المتمدينة».
وقال «يظن القائمون على إعلام الإخوان أنهم بصب الزيت على النار وتذكير البولار بفواجع حدثت منذ ثلث قرن سيكسبون ودهم، وهم يواصلون بغباء تلك المعزوفة المفزعة دون أن يتذكروا المصالحات التي تمت بين الدولة وذوي الضحايا ولم يفهموا أن شرع الله يدفع العقلاء على تشجيع التسامح والمحبة وليس الكراهية والحقد».
وأضاف «ما يقوم به الإخوان ويرحب به بعض الشوفينيين البولار مضيعة للوقت فلن يكسب حزب «تواصل» (محسوب على الإخوان) أي كرسي في تلك الربوع الجميلة».