
تختلف قراءات المغرب وجبهة البوليساريو للقرارات الدولية ذات الصلة بنزاع الصحراء، وكل منهما يعتبر ما يصدر نصرًا لرؤيته ومقاربته للنزاع المستمر منذ (42) عامًا، دون أن يظهر بالأفق حل قريب لهذا النزاع الذي تتداخل في مساره عوامل ومصالح متناقضة ومتنافرة وأحيانًا متصادمة.
وبانتظار الصيغة النهائية لقرار القمة الإفريقية الـ(29) ذات الصلة بنزاع الصحراء، الذي يعلن مساء أمس الإثنين، رأى كل من المغرب وجبهة البوليساريو نصرًا لرؤيته في التقرير الذي قدمه رئيس المفوضية الإفريقية للقمة مساء أول أمس، وتضمن ما تراه المفوضية من تطورات النزاع ودور الاتحاد الإفريقي في تسويته.
وقدم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمات، أول أمس الأحد، إلى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي المجتمعين في جلسة مغلقة في نواكشوط، التقرير الذي تم تكليفه بإنجازه طبقًا للقرار (653) الذي اعتمدته دورة تموز/ يوليو 2017م، الذي أكد من خلاله أن تسوية النزاع يعود للأمم المتحدة وأن دور الاتحاد دعم وتعزير دور المنظمة الدولية وتشكيل «ترويكا» تتألف من الرئيس (المنتهية ولايته) الغيني ألفا كوندي، والرئيس الحالي الرواندي باول كاغامي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي التشادي موسى فكي، من أجل إيجاد حل لقضية الصحراء في أسرع وقت ممكن، وهي آلية تتمتع بامتياز مبدأ الاستمرارية في موقف الاتحاد الإفريقي ومبدأ التوازن في المقاربات القائمة على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ونصت الفقرة (20) من التقرير بـ»ضرورة أن يدرج الاتحاد الإفريقي مسعاه في إطار دعم معزز لجهود الأمم المتحدة، من أجل زيادة فرص نجاحها. وبعبارة أخرى، فإن الأمر لا يتعلق بالنسبة للاتحاد الإفريقي بتطوير مسلسل مواز لمسلسل الأمم المتحدة»، وأن دور الاتحاد الإفريقي ينبغي أن يهدف إلى مواكبة جهود الأمم المتحدة ودعمها، حيث ما زال مجلس الأمن الدولي يتولى هذه القضية. وعلاوة على ذلك، فإن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة يقوم، منذ توليه مهامه، بإجراء مشاورات مكثفة مع الأطراف، التي عبرت عن التزامها بالتعاون معه، بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الأطراف في سياق تسويات تتطابق مع الأهداف والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وأن أجهزة الاتحاد الإفريقي الأخرى، غير معنية بمعالجة هذه القضية من أجل ضمان التناسق اللازم.
وحث رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي في تقريره كلاً من الجزائر وموريتانيا على دعم الجهود المبذولة من أجل استئناف عملية التفاوض، مسجلاً الدور الحاسم الذي يمكن أن يضطلع به البلدان في إيجاد حل لقضية الصحراء، مبرزًا أن النزاع يعيق جهود الاندماج في إطار اتحاد المغرب العربي، والجهود الرامية إلى تعزيز الأمن الإقليمي على نحو أكثر فعالية، الذي وأكد موسى فقي أن «الاتحاد الإفريقي لا يُمكن أن يظل يتفرج أمام هذه الأزمة المستمرة منذ أربعين عامًا»..
وتقول الأوساط المغربية إن جبهة البوليساريو وأنصارها راهنوا على القمة الإفريقية من أجل استصدار قرار يخول للاتحاد الإفريقي التدخل في قضية الصحراء المغربية، بمسلسل مواز لمسلسل الأمم المتحدة في المنطقة.
وقال وزير الخارجية والتعاون المغربي في مؤتمر صحافي، أمس الإثنين، إن حل قضية الصحراء ليس في أديس أبابا، ولا من اختصاص الاتحاد الأفريقي، مؤكدًا أن الملف ما يزال لدى الأمم المتحدة، وهي وحدها المختصة بمعالجته، وأن القرار الذي اعتمده الاتحاد الأفريقي بخصوص قضية الصحراء لا يتضمن سعي الاتحاد الأفريقي لإيجاد حل للقضية، ولا يخلق مسارًا أفريقيًا جديدًا في الملف.
وأوضح ناصر بوريطة أن التقرير الذي وافق عليه القادة الأفارقة يؤكد التمسك بالمرجعية الأممية للقضية، ويشير إلى أن دور الاتحاد الأفريقي هو دور «مساعد»، على غرار الأدوار التي تقدمها جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. وقال إن هنالك لجنة أفريقية هي التي ستتولى العمل على الملف، تتولى مهمة الاطلاع على المعلومات من عند الأمم المتحدة وعرضها على قادة الاتحاد الأفريقي، موضحًا أن مجلس السلم والأمن الأفريقي (يرأسه الدبلوماسي الجزائري إسماعيل الشركي) لم يعد معنياً بالملف.
وقال بوريطة رئيس وفد باده للقمة الإفريقية، إن التقارير السابقة التي كانت تصدر عن الاتحاد الأفريقي بخصوص قضية الصحراء «كانت مليئة بالمغالطات والأدبيات المنحازة»، وذلك لغياب المغرب عن الاتحاد الأفريقي وما يجري فيه من نقاش، وأن عودة المغرب (في القمة 27 في كانون الثاني/ يناير 2017) وقيامه بتوضيح الأمور غير الوضعية، تم تصحيح التقرير وابتعاده عن المسلكيات السابقة ليصبح أكثر توازناً وواقعية.
وأكد أن «حل قضية الصحراء ليس من اختصاص الاتحاد الأفريقي، وإنما هو اختصاص أممي»، نافيًا أن يكون هنالك مبعوث أفريقي في الملف، لأن المبعوث الوحيد هو الرئيس الألماني السابق المنتدب من الأمم المتحدة.
واعتبر الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي أن «قرار الاتحاد الإفريقي اليوم بتشكيل لجنة رئاسية حول القضية الصحراوية يؤكد دور الاتحاد كداعم لجهود الأمم المتحدة، ويثبت اهتمام الاتحاد بتطورات القضية الصحراوية»، وقال غالي إن الاتحاد الإفريقي أثبت من خلال قراره اليوم أنه ملتزم بدعم جهود الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى حل عادل ونهائي بتمكين الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير مصيرهم واستقلالهم.
ووصف عضو الأمانة الوطنية للجبهة مسؤول العلاقات الخارجية محمد سالم ولد السالك إنشاء آلية لإيجاد حل للنزاع بين الجمهورية الصحراوية والمغرب «قرارًا تاريخيًا»، وقال إن هذا القرار جاء ليجدد التأكيد على تمسك الإتحاد الإفريقي بحقوق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال وأن الآلية على مستوى رؤساء الدول ستعمل بالتشاور مع منظمة الأمم المتحدة من أجل وضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده بين الجمهورية الصحراوية و المغرب، وأن هذا القرار يستند إلى «قرارات ومواقف الاتحاد الإفريقي التي تعترف بحق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال».
محمود معروف
الرباط – «القدس العربي»