تطوّرٌ مُتقدّمٌ جدًّا في عمليّات “حزب الله” في الجليل يُرعب نتنياهو.. وما قصة “هدهد نصر الله” المعجزة؟ كيف يجب أن يرد المسؤولون اللبنانيّون على الأمريكي هوكشتاين في زيارته “المَلغومة لبيروت”؟ ما هي نصائحنا لهُم في هذا الصّدد؟
في تطوّرٍ عسكريٍّ “غير مسبوق” أعلن “حزب الله” في بيانٍ رسميٍّ استهدافه اليوم الثلاثاء دبّابة “ميركافا” إسرائيليّة بهُجومٍ نفّذته “مُسيّرة انقِضاضيّة” على موقع “حدب بادين” العسكري الإسرائيلي في الجليل وجرى تدميرها بالكامِل، وزخّة أُخرى بالصّواريخ أشعلت المزيد من النّيران.
وبلغ هذا التطور ذروته اليوم أيضا بعد كشف الحزب عن “طائرة الهدهد” الاستطلاعية المسيّرة التي اخترقت كل الرادارات الإسرائيلية ومحطات الرصد، وصورت شريطا مصورا يتضمن مسحا دقيقا لمناطق عسكرية حساسة في الشمال الفلسطيني المحتل، من بينها مطارات ومخازن أسلحة ومنصات صواريخ وموانئ في حيفا.. انها ضربة قاصمة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وهذا “الهدهد” سيدخل التاريخ العسكري.
***
هذا التطوّر يأتي على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة من حيث “نوعيّته” ودلالاته، ونحنُ نتحدّث هُنا تحديدًا عن الهُجوم بالمُسيّرة، ومن حيثُ توقيته أيضًا، للأسباب التالية:
أوّلًا: يتزامن هذا الهُجوم مع وصول المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين إلى بيروت في جولةٍ له بدأها بزيارة القدس المُحتلّة بهدفِ تخفيضِ حدّة التوتّر المُتصاعد على الحُدود اللبنانيّة مع فِلسطين المُحتلّة، وهي الزّيارة التي جرى ترتيبها على عجلٍ وتعكس قلقًا أمريكيًّا مُتصاعِدًا.
ثانيًا: يأتي هذا الهُجوم كأحدث الحلقات التصعيديّة، كمًّا ونوعًا، من قِبَل قيادة “حزب الله” لحرب الاستِنزاف “المُتدحرجة” التي يشنّها جناحه العسكري مُنذ الثّامن من تشرين الأوّل (أكتوبر) العام الماضي، أي بعد عمليّة “طُوفان الأقصى” مُباشرةً، صحيح أنّ البيان الصّادر عن الجناح العسكري للحزب لم يكشف عن نوعيّة المُسيّرة ومُواصفاتها، ولكنّ الواضِح أنّها من النّوع المُتقدّم والدّقيق جدًّا في إصابةِ أهدافه، وتختلف عن سابِقاتها.
ثالثًا: من الواضِح أنّ ما جرى في قطاع غزة من حرب إبادة، ودمار وخراب، لم يُرهب “حزب الله” بل أعطى نتائج عكسيّة تصعيديّة، وكشف عن هشاشة الرّدع الإسرائيلي، ولم تعد القيادة الإسرائيليّة تجرؤ على التّهديد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وتدمير بيروت ناهِيكَ عن التّنفيذ.
رابعًا: أثبتت وقائع الضّربات العسكريّة التي شنّتها خلايا الحزب العسكريّة في العُمُق الشّمالي المُحتل، في الأيّام والأسابيع الأخيرة، ضخامة حجم الرّد وفاعليّته على عمليّات الاغتِيال الإسرائيليّة لقيادات الحزب الميدانيّة، وآخِرهم المُجاهد طالب سامي عبد الله “أبو طالب” والعمليّة الأخيرة باستِخدام المُسيّرة الانقضاضيّة أحد الأمثلة في هذا الخُصوص.
خامسًا: أثبتت هذه العمليّة الدّقيقة ومثيلاتها الأخيرة، أنّ ضُغوط الولايات المتحدة المدعومة من قِبَل بعض القِوى الداخليّة اللبنانيّة المُتواطئة بتحريضٍ إسرائيليٍّ لإجبار الحزب على سحب قوّاته إلى شِمال نهر اللّيطاني، كانت وما زالت قصيرة النّظر سياسيًّا وعسكريًّا، لأنّ الوصول إلى القواعد والمُستوطنات الإسرائيليّة بات مُمكنًا من خلال المُسيّرات المُتطوّرة والصّواريخ الدّقيقة، وعامل المسافة لم يَعُد مُهِمًّا ومع ذلك لن ترضخ قيادة “حزب الله” لهذه الضّغوط، لأنّه لا تستطيع أيّ قوّة في العالم إجبارها على تركِ أجزاءٍ مِن أرضِها.
سادسًا: إذا كانَ إطلاق حزب الله 5000 صاروخ “كاتيوشا” لضرب العُمُق الإسرائيلي على مدى الأشهر الثّمانية الماضية من عُمر الحرب (نحن ننقل هُنا عن الإحصاءات الرسميّة الإسرائيليّة) قد أدّى إلى تحويل الشّمال الفِلسطيني المُحتل إلى كُتلةٍ من اللّهب، وباتت كُل من مدينتيّ صفد وطبريا أهدافًا للكاتيوشا، فكيف سيكون الحال لو تمّ استِخدام الصّواريخ الدّقيقة، وبمُعدّل 3000 صاروخ يوميًّا لضرب مُدُنٍ أُخرى مِثل حيفا ويافا وعكا والقدس المُحتلّة وأسدود والسّبع وديمونا؟
***
النّقاط التي ذكرناها آنفًا تشرح وتُفسّر الأسباب التي حتّمت زيارة هوكشتاين “الطّارئة” لبيروت في مُحاولةٍ “يائسةٍ” لوقف توسّع حرب الاستِنزاف اللبنانيّة إنقاذًا لدولة الاحتِلال، وتقليصًا لهزائمها في قطاع غزة، وشِمال فِلسطين، وفي البِحار الثلاثة العربيّ والأحمر والمُتوسّط والمُحيط الهندي.
هوكشتاين الذي التقى اليوم كُلا من السيّدين نجيب ميقاتي رئيس الوزراء، ونبيه بري رئيس البرلمان، قال في أوّل تصريحٍ له “نمرّ بظُروفٍ صعبة، ونُريد حُلولًا حاسمةً للوضع على الحُدود اللبنانيّة”، وأضاف “وقف إطلاق النّار في غزة سيُؤدّي إلى إنهاءِ التّصعيد الحُدوديّ بين لبنان وإسرائيل”.
تصريح هوكشتاين هذا اعترافٌ صريحٌ بالرّباط المُقدّس بين الجبهتين في غزة وجنوب لبنان، ويعكس قلقًا أمريكيًّا من تطوّر القتال تصعيدًا على الجبهتين، خاصَّةً الشّماليّة التي تتوسّع بسُرعةٍ لتُصبح الحرب الرئيسيّة وليس المُساندة فقط.
أتمنّى شخصيًّا عدم الاستِماع إلى المبعوث الأمريكي وما يُسمّى بالحُلول الحاسمة التي يتحدّث عنها في لبنان، فهذا الرّجل خبيرٌ لا يُشَقّ له غبار في مناهج الكذب، وحُقَن التّخدير، والضّحك على الذّقون، وآخِر أكاذيبه بل وخدعه، اتّفاق ترسيم الحُدود البحريّة اللبنانيّة مع فِلسطين المُحتلّة، وإعطاء حقل “كاريش” للغاز لدولة الاحتِلال، والتّراجع عن كُل الوعود للبنان.
ألم يَعِد هوكشتاين وحُكومته اللّبنانيين بالمَنِّ والسّلوى، والرّخاء الاقتصاديّ، وتحويل لبنان إلى دولةٍ مُنتجةٍ للنّفط والغاز وربّما عُضو في مُنظّمة “أوبك”؟
نسأل بكُلّ سذاجةٍ هوكشتاين وسفيرته في لبنان: أين الغاز القادم للبنان من مِصر، والكهرباء القادمة من الأردن التي ستُضيء لبنان ليلًا نهارًا؟ نسأل ولا نُريد إجابة لأنّنا نعرفها عن ظهر قلب، باختصارٍ شديد اطردوه بـ”أدب”، ولا تستقبلوه أو تستمعوا إليه، فهو الضّعيف وأنتم الأقوياء بمُقاومتكم وصُمودكم.. ونُقطةٌ على آخِر السّطر.