
جددت الحكومة الموريتانية دفاعها عن تسيير الأمن الوطني الموريتاني لملف المهاجرين غير النظاميين، وذلك في ردود رسمية على اللغط المثار في مالي والسنغال حول معاملات غير إنسانية قيل إن مرحلين سنغاليين وماليين تعرضوا لها أثناء تسفيرهم.
وهكذا أكد الحسين أمدو وزير الثقافة والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية ، “أن عمليات الترحيل الأخيرة التي قامت بها السلطات الأمنية في موريتانيا تستهدف فقط المهاجرين غير الشرعيين، دون المساس بالمقيمين الشرعيين القادمين من الدول الشقيقة والصديقة، مثل السنغال ومالي وغينيا وساحل العاج وغامبيا”.
وأوضح في تصريحات له أثناء المؤتمر الصحافي الحكومي الأسبوعي “أن هذه الإجراءات لا تؤثر على العلاقات التاريخية العميقة التي تربط موريتانيا بهذه الدول، ولا على الاتفاقيات الثنائية المبرمة معها، بل تهدف إلى تفكيك شبكات الهجرة غير الشرعية التي تستغل المهاجرين في عمليات تهريب خطيرة قد تنتهي بمآسٍ إنسانية، مثل قوارب الموت المتجهة إلى أوروبا”.
وأضاف الوزير “أن السلطات الموريتانية تمكنت خلال الأسابيع الأخيرة من تفكيك أربع شبكات تنشط في تهريب المهاجرين، مؤكداً “أن هذه الجهود تأتي في إطار السعي إلى تنظيم الهجرة وضمان أمن واستقرار البلاد، بالتنسيق مع الدول المجاورة.”
وأشار إلى “أن ردود الفعل الصادرة من بعض الجهات في السنغال ومالي كانت متفهمة، حيث دعت حكومات هذه الدول مواطنيها إلى الالتزام بالمتطلبات القانونية الموريتانية، والتأكد من تنظيم أوضاعهم إذا كانوا يرغبون في الإقامة في موريتانيا بطريقة قانونية”.
وشدد الوزير التأكيد على أن “موريتانيا تحترم حقوق المقيمين الشرعيين الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، وتحرص على الالتزام بالاتفاقيات التفضيلية التي تضمن لهم حقوق الإقامة والتنقل”.
وأكد “أن الموريتانيين المقيمين في السنغال، والسنغاليين والماليين المقيمين في موريتانيا، يتمتعون بحماية قانونية وفقًا لهذه الاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز التعاون والتكامل بين الدول المعنية”.
كما أشار إلى أن “اتفاقية حول إقامة المواطنين مع السنغال ستدخل حيز التنفيذ خلال الأسابيع المقبلة، ما سيسهل تنظيم الإقامة للمواطنين السنغاليين في موريتانيا، إلى جانب منح تصاريح إقامة قانونية للمواطنين من الدول المجاورة لضمان تواجدهم بشكل منظم ومشروع”.
ورفض الوزير الادعاءات التي تحدثت عن سوء معاملة المرحّلين، مؤكداً “أن موريتانيا تحرص على احترام الكرامة الإنسانية والالتزام الكامل بالمعايير القانونية الوطنية والدولية خلال عمليات الترحيل، حيث تتم إعادة المرحّلين عبر المعابر التي دخلوا منها، وفقًا للضوابط القانونية المعتمدة”.
وأوضح “أن هذه الإجراءات لا تهدف إلى التضييق على أي جنسية معينة، بل تأتي في سياق مكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين أنفسهم من مخاطر شبكات التهريب والاستغلال”.
وأكد الوزير في ختام حديثه “أن موريتانيا تعمل بشفافية تامة في تطبيق قوانين الهجرة، وتسعى إلى تنظيم تنقل الأفراد وفقًا لمعايير واضحة تضمن الأمن والاستقرار، دون المساس بالعلاقات الودية مع الدول الشقيقة والصديقة”.
وفي إطار شرح سياساتها المتعلقة بضبط الهجرة والإقامة، أكد وزارة الخارجية الموريتانية في بيان أخير لها “التزامها بتشجيع الهجرة النظامية والآمنة والمنظمة، وتُجدد عزمها على مكافحة الهجرة غير النظامية والشبكات المرتبطة بها دون تهاون”؛ مشيرة إلى “أن موريتانيا، تظل كما كانت دائمًا أرض استقبال للمقيمين الأجانب في وضع قانوني، خاصة القادمين من الدول المجاورة، وهو مبدأ راسخ ينبع من إرث مشترك من التفاعل المتبادل”.
وأضافت الوزارة “أنه في الأيام الأخيرة، شهدت الساحة العامة الموريتانية نقاشًا حيويًا حول قضية الهجرة، وهو موضوع ذو أهمية وحساسية بالغة”، مشيرة إلى أن “آراء المشاركين في هذا النقاش كانت متباينة، حيث قدم البعض تحليلات وتعليقات تنقصها المعرفة العميقة بتعقيدات هذه الظاهرة الإنسانية، بينما عبّر آخرون عن مواقف تنطوي على سوء نية؛ وقد أدى ذلك إلى انتشار معلومات متضاربة تخلط بين الحقائق وتثير البلبلة والقلق، مع التركيز على الجوانب السلبية وتضخيمها”.
وأضافت الخارجية الموريتانية “أن بعض الجهات التي ساهمت في نشر هذه المعلومات لم تميز بين ثلاثة أنواع من الهجرة، لكل منها طابعها القانوني ووضعها الخاص، وهي الهجرة النظامية التي تشمل الأفراد الذين ينتقلون إلى موريتانيا بطرق قانونية ويحصلون على تصاريح إقامة تتيح لهم التمتع بحقوق المقيمين الشرعيين”.
وهناك، تضيف الوزارة، هجرة اللاجئين اتي تتعلق بالأشخاص الذين فروا من بلدانهم بسبب الاضطهاد أو النزاعات، ويتمتعون بحماية قانونية خاصة وفقًا للاتفاقيات الدولية؛ كما أن هناك الهجرة غير النظامية التي تشمل الأفراد الذين يدخلون البلاد أو يقيمون فيها دون الامتثال للقوانين والإجراءات المعمول بها”.
وأكدت الوزارة “أن تستضيف بالفعل مواطنين من الدول المجاورة، شمالًا وجنوبًا، بعضهم يحمل صفة اللاجئ، وآخرون يُعتبرون مهاجرين تقليديين، وتُحدد أوضاع هاتين الفئتين من خلال اتفاقيات ثنائية ودولية ويُعاملون كمقيمين شرعيين يتمتعون بكافة الحقوق المرتبطة بوضعهم القانوني في موريتانيا”.
وزادت: “من الجدير بالذكر أن موريتانيا والدول المجاورة تتشارك بيئة جغرافية وتاريخية وثقافية ودينية مشتركة، حيث استمرت حركة التنقل بين هذه البلدان عبر العصور والأجيال؛ وهذه الروابط المتينة، المستندة إلى الإسلام السني المتسامح، ساهمت في تعزيز أواصر الصداقة والأخوة وحسن الجوار”.
“ومع ذلك، تضيف الوزارة، فإن الهجرة غير النظامية تُعد ظاهرة معاصرة قد تؤثر سلبًا على هذا المناخ المتبادل من الضيافة والسكينة بين شعوب الدول ذات التاريخ المشترك، فقد اتسعت هذه الظاهرة إلى مستويات لا تخدم مصالح دول العبور، ولا الدول المستقبلة ولا حتى دول المصدر، إذ غالبًا ما ترتبط بتحديات أمنية وشبكات تهريب متنوعة، بما في ذلك الاتجار بالبشر، ما يعقد ويؤثر سلبًا على نظام الهجرة النظامية”.
وشددت وزارة الخارجية الموريتانية التأكيد على “أن موريتانيا تواصل العمل لضمان استمرار تنقل السكان بين البلدان في جو من الأخوة والضيافة المتبادلة. وفي هذا السياق، بذلت موريتانيا جهودًا كبيرة لتسهيل إجراءات الحصول على تصاريح الإقامة للمواطنين من دول غرب أفريقيا عبر إجراءات مبسطة، غير أن المؤسف هو أن العديد من المهاجرين لم يلتزموا بتجديد تصاريح إقامتهم السنوية، ما يجعلهم في وضع غير قانوني”.
هذا وشهدت موريتانيا في الآونة الأخيرة حملات لترحيل مهاجرين غير نظاميين، شملت مواطنين من مالي والسنغال، ما أثار ردود فعل من حكومتي البلدين.
وأفاد حبيب سيلا، رئيس المجلس الأعلى للماليين بالخارج، بأن السلطات الموريتانية رحّلت 952 مواطنًا ماليًا، معظمهم كانوا يعبرون البلاد نحو أوروبا دون تصاريح إقامة؛ وتم استقبال هؤلاء المرحّلين في عدة نقاط حدودية، حيث وصل 580 منهم إلى معبر كوكي الزمال، و102 إلى معبر تفارا، و200 إلى بلدية جلبو، و70 إلى كابو”.
وعبّر وزير الماليين في الخارج عن “قلقه العميق واستيائه إزاء المعاملة التي تعرض لها المواطنون الماليون المطرودون من موريتانيا”، وذلك بعد زيارته لمركز استقبال المرحّلين في منطقة خاي المالية.
تسعى موريتانيا إلى تنظيم أوضاع المهاجرين غير النظاميين بما يتوافق مع قوانينها والتزاماتها الدولية، مع التأكيد على أهمية التعاون الإقليمي لمعالجة قضايا الهجرة بشكل إنساني يحترم حقوق جميع الأطراف المعنية.
عبد الله مولود
نواكشوط ـ «القدس العربي»