أبدت جهات رسمية وحزبية وشعبية في اليونان امتعاضها من قرار السلطات التركية تلاوة القرآن يومياً خلال شهر رمضان المبارك في متحف أيا صوفيا في إسطنبول.
وربط مراقبون هذا التطور بقرار البرلمان الألماني الأخير بالاعتراف بما يعدّه الأرمن مجازر عثمانية بحقهم، بينما رأى آخرون أنه تجلٍ للصراعات التي تخوضها تركيا داخليا وخارجيا.
وزارة الخارجية اليونانية رأت أن "التصرف التركي يصل إلى حدود التعصب الديني، ويُظهر انفصاما عن الواقع، وأن هذه التصرفات ليست متوافقة مع المجتمعات الديمقراطية والعلمانية".
ورأى حزب الديمقراطية الجديدة المعارض أن الأمر خطير جدا، وأن وزارة الخارجية اليونانية يجب ألا تواجه هذا الأمر على طريقة "لا أزعج أحدا، بل أرضي الجميع". وقال إن تلاوة القرآن في كنيسة أيا صوفيا يعني تحويلها إلى مسجد، وهو تصرف استفزازي يعبر عن عدم احترام المسيحيين الأرثوذوكس في العالم.
الكاتب أليكساندروس ماسافيتاس أكد في مقال له بصحيفة "كاثيميريني" أن أيا صوفيا تعني أمرين مختلفين لفئات مختلفة؛ فالنظرية العثمانية تعدّها الرمز الأكبر لاحتلال المدينة، وأسلمتها تعني انتقال إسطنبول من الزعامة اليونانية المسيحية إلى التركية الإسلامية.
وأضاف الكاتب أنه مع فرض "الكمالية" أصبحت الأمور أكثر تعقيدا، حيث حولها كمال أتاتورك إلى متحف، ورأى الكاتب أن "جزءا مهما من المجتمع التركي قلق لإعادة أسلمة أيا صوفيا، لا لدواعي اللباقة السياسية بل لأن هذا يشكل قلة احترام لأتاتورك".
من جهته، قال أستاذ اللاهوت في جامعة أثينا ميخاليس ماريوراس للجزيرة نت إن أيا صوفيا رمز ثقافي عالمي له وزن خاص للمسيحيين الأرثوذوكس في كل مكان، وهي مقصد سياحي ديني للملايين منهم، وبالنسبة لليونانيين هي رمز ذكرى قوية لفترة تاريخية تجسد آمالهم لمستقبل أفضل، لا بقصد التوسع والتمدد لكن من ناحية العزاء الديني المسيحي.
وقال إن تلاوة القرآن في أيا صوفيا للمرة الأولى بعد تحويلها لمتحف عام 1934 لا تبدو مسألة دينية بحتة، حيث إن توجهات تركيا علمانية منذ عقود، كما أنها تقلص طابعها التاريخي والحضاري والعالمي إلى طابع محلي خاص.
وأوضح أن "للموضوع رمزية سياسية لتركيا المثقلة داخليا وخارجيا بالهجمات الإرهابية والصراع مع حركة "غولن" والتوترات مع أوروبا وروسيا والاعتراف بمجازر الأرمن"، مبينا أن هذه العوامل هي التي قادت السلطات التركية إلى هذا القرار الذي وصفه بالمستعجل لخلق الانطباعات وتحفيز المشاعر الدينية للمسلمين الأتراك.
كنيسة أيا صوفيا حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد عام 1453 ثم جعلها كمال أتاتورك عام 1934 متحفا (الجزيرة)
اعتراض مرفوض
في المقابل، رأى الصحفي مانوليس كوستيذيس أنه لا يحق لليونانيين الاعتراض على قراءة القرآن في أيا صوفيا بعدما هدموا الكثير من الآثار العثمانية التي بقيت في بلادهم، وأساؤوا استخدام آثار أخرى، لدرجة أن أحد مساجد مدينة سالونيك تحوّل لصالة سينما تعرض الأفلام الإباحية.
وقال كوستيذيس في مقالة نشرها موقع "بروتاغون" اليوناني إنه عندما تهدم مساجد وتحول أخرى إلى صالات لعرض أفلام إباحية، فيجب أن تكون أكثر انتباها عندما تطلب من غيرك احترام الآثار.
وفي اتصال مع الجزيرة نت، رأى كوستيذيس أن "حكومة أردوغان ترضي المتطرفين ببعض التحركات، وهي لا تهدف إلى إعادة تحويل أيا صوفيا إلى مسجد".
ويرى الباحث في العلاقات الدولية علي باكير أن ثمة مطالبات شعبية بفتح أيا صوفيا للمصلين، مضيفا أن الحكومة في نهاية المطاف لا بد أن تتجاوب مع المطالب الشعبية.
وقال باكير للجزيرة نت إنه حتى هذا الحين يبدو أن موقف الحكومة وسطي، مؤكدا أن السماح أو عدم السماح هو أمر سيادي لا علاقة لأي بلد خارجي به، واستبعد أن تكون للأمر علاقة بقرار البرلمان الألماني الأخير بشأن الاعتراف بمجازر الأرمن.
وكان الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني افتتح كنيسة أيا صوفيا عام 360 للميلاد، ثم حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد عام 1453، ثم تم تحويلها عام 1934 إلى متحف ضمن إجراءات كمال أتاتورك لعلمنة تركيا.