هكدا هي العلاقات بين الدول العربية، انها علاقات مصالح شخصية لا أقل ولا اكثر وهذا امر طبيعي، لكن الغير الطبيعي هو عدم ادراك صناع القرار بهذه البلدان ان المصالح الشخصية للأشقاء تكمن في تكثلهم وتعاونهم ، وبالتالي فلا غرابة ان يشتعل فتيل الازمات بين الدول العربية، ولعل الامر واضح في العلاقات بين المغرب وموريتانيا وهو ما كان في صالح النظام الجزائري وجبهة البوليزاريو الانفصالية – طبعا لأنعكاساته الواضحة على قضية الصحراء المغربية – لكن الجميل في هذا الامر انه سرعان ما يتم تجاوز هذه الخلافات والازمات، وهذا ما كان ولا يزال يشكل غصة لدى الانظمة والجهات التي كانت وراء اشعال فتيل التوثر بين موريتانيا والمغرب،خاصة الجزائر
طبعا سيستغرب الجميع التقارب الكبير بين الجزائر وموريتانيا على حساب المغرب فهذا امر طبيعي فكما سبق ذكره المصالح الشخصية تلعب دورا كبيرا في هذه العلاقات فالجزائر تحاول الضغط على موريتانيا بكافة الوسائل كانت ترهيبا او ترغيبا من اجل استمالتها وكسب موقفها في قضية الصحراء المغربية ،في حين اهتمام موريتانيا بالتقارب مع الجزائر كان لأسباب استراتيجية تجلت اساسا في اكتشاف مخزون كبير من الغاز الطبيعي الممتد من العمق الجزائري في منطقة تودني التي تفوق مساحتها 1000 كلومتر عرضا و 2000 كلومتر طولا بين مالي وموريتانيا والجزائر وتعتبرها هذه الأخيرة امتدادا طبيعي لخيراتها ولا يحق لموريتانيا أن تستغلها إلا باتفاق أولي معها وفي حالة أي خلاف فان الجزائر مستعدة لنسف المنطقة برمتها بواسطة القاعدة وبعض الجماعات الارهابية التابعة في العمق للمخابرات الجزائرية .
لكن ما يجمع المغرب وموريتانيا هو اكبر بكثير من علاقة المصالح التي تجمع الجزائر بموريتانيا ، نعم علاقة الشقيقين اكبر بكثير من تصريحات بعض المحسوبين على النظامين ، اكبر بكثيير من تحليلات ودراسات بعض من يعتبرون انفسهم خبراء سياسين . اكبر وامتن من خلافاتهما البسيطة
ومع ذلك لابد أن نأتي على جملة من الخلافات بين البلدين والتي كان سببها الاساسي هو استقبال المغرب لرجل الاعمال المعارض محمد ولد بوعماتو الذي رفض العودة الى موريتانيا تحت رئاسة ابن عمه محمد ولد عبد العزيز واستقراره في مراكش ،اضافة تعثر تسجيل 800 طالب موريتاني في الجامعات المغربية خلال الموسم الجامعي2011، وما أعقبه من طرد السلطات الموريتانية لمسؤول مكتب وكالة الأنباء المغربية الرسمية بنواكشوط، واستمرار رفض وزارة الإعلام الموريتانية لاعتماد أي مراسل مغربي لها في العاصمة الموريتانية لمدة ليست بالقصيرة ، وكذا منع السفير المغربي في باريس من عيادة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز اثناء اصابته برصاص نيران صديقة واتهام بعض وسائل الإعلام الموريتانية المغرب بمحاولة اغتيال رئيسهم،ولا يمكننا ان نتجاوز رسالة تعزية الرئيس الموريتاني التي وصف فيها رئيس الجبهة الانفصالية “برئيس الجمهورية الصحراوية “، وهلم جرا من الخلافات التي جعلت العلاقات المغربية الموريتانية في مد وجزر.
لكن وكما سبقت الاشارة اليه ،فالمميز الاساسي للعلاقات بين الشقيقين المغرب وموريتانيا هو سرعة تجاوز هذه الخلافات ، وذلك مرده طبعا لما يجمع البلدين -شعبين ونظامين – من تاريخ مشترك ومصالح مشتركة ومستقبل مشترك.
فإدا نظرنا الى المجتمع الموريتاني نجده يتكون من مجموعة من القبائل فمن الناذر ان نجد قبيلة موريتانية لا تربطها اية علاقة تاريخية واثنية بالمغرب، ولعل البداية بقبيلة ابناء ابي السباع قبيلة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والرئيس السابق اعل ولد محمد فال واغلب صناع القرار في موريتانيا هذه القبيلة تنتشر كذلك في المغرب.
وهنا تجدر الاشارة الى أن العديد من المسؤولين المغاربة اصولهم من هذه قبيلة الرئيس الموريتاني ونذكر على سبيل المثال لا الحصر وزير الداخلية النافذ الشرقي الضريس والذي تم الأعتراف بانتماء اسرتهم الى قبيلة ابناء ابي السباع اثناء مايسمى بفترة تحديد الهوية تمهيدا للأستفتاء حول الصحراء المغربية والجميل انه تم الاعتراف بإنتمائهم لقبيلة ابناء ابي السباع حتى من طرف الشيخ الممثل لجبهة البوليزاريو الانفصالية الشيخ عبداتي انذلك ووزير الحكامة محمد الوافا الذي ينتمي الى فخدة اولاد عيسى بنفس القبيلة ووزير الميزانيةادريس الازمي هذا اضافة الى العديد من مدراء المؤسسات العمومية والشبه عمومية.
بل الاكثر من ذلك هو اصول ملك المغرب الذي ينتهي الى ال البيت النبوي الشريف ونفس الامر بالنسبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من خلال نسب قبيلته الى علي بن ابي طالب كرم الله وجهه
طبعا من البديهي ان ننظر الى الامر على كون مصلحة الشقيقين اكبر من مسألة القرابة او القبيلة، لأننا نتحدث عن علاقة دولتين ونظامين وهذا امر طبيعي ،لكن لا يمكننا ان نتجاوز العنصر القبلي خاصة في موريتانيا ، وهذا امر يعرفه كل مهتم بالشأن الموريتاني ، ومع ذلك فهذا لا يمنعنا ان نشير الى المصالح الاقتصادية بين الشقيقين فموريتانيا هي الشريان الوحيد والاهم للمغرب لتصريف منتوجاته بافريقيا الغربية وهي نفسها سوق اقتصادي مهم بالنسبة للمغرب ولعل ابرز نموذج هو النسبة الهامة لمساهمة شركة اتصلات مغربية في اهم شركة اتصالات موريتانية 61% ، وفي نفس الوقت فالمغرب هو بوابة موريتانيا الى اروبا وكذلك سوق مهم للعديد من المنتوجات الموريتانية ،فهذا واقع يفرض نفسه بشدة سواء شئنا ام ابينا.
كما تجدر الاشارة الى ان منطقة المغرب العربي تشهد حراكا قويا وتحولا جذريا وانتشارا للجريمة المنظمة العابرة للحدود مما يطلب تنسيقا بين كل الدول خاصة بين الشقيقين موريتانيا والمغرب فى مواجهة الاخطار المحدقة :الارهاب ، الهجرة ، تجارة الاسلحة ,المخدرات ….الخ واعتقد ان ان كل هذه الملفات تفرض نفسها على صناع القرار فى البلدين بغية تطويق تلك الاخطار ودرئها،ومن الواضح ان التنسيق متعدد الاطراف فى هذا السياق مهم وحاسم فى التصدى لهذه الاكراهات ،وربما تكون رب ضارة نافعة فيتحول إشكال الارهاب المتمدد حافزا للاندماج المغاربي ومقويا لاواصر التعاون بين الشقيقين.
وعلى العموم فلا المغرب قادر على الاستغناء عن موريتانيا ولا موريتانيا هي قادرة على الاستغناء عن المغرب في أي مجال كيف مكان نوعه وبالتالي فمصلحة البدين تقتضي تجاوز التصريحات التي تسعى الى زيادة التوتر بين الشقيقين الى التعاون وتنسيق الجهود من اجل العمل معا لأن المستقبل بين الشقيقين هو مستقبل مشترك ومن الصعب ان يبني كل بلد نفسه بعيد عن الاخر لأن ما يجمعهما اكبر بكثير من خلافاتهما البسيطة .
ذ. محمد بادلة السباعي: باحث في الشؤون الموريتانية المغربية