فيما تواصل الحكومة الموريتانية على أكثر من جبهة تحضيراتها للقمة العربية السابعة والعشرين المقررة في نواكشوط أواخر شهر تموز/ يوليو المقبل، دعت كوكبة من الكفاءات السياسية الموريتانية ضمت سفراء ووزراء سابقين وباحثين وإعلاميين ونشطاء في المجتمع المدني، القادة العرب إلى بذل جهود من أجل أن «تلامس القمة العربية المقبلة هموم وطموحات المواطن العربي، وأن تبتدع آليات استنهاض وتطوير للنظام العربي ودفع العمل العربي المشترك لتتجاوب القمة مع انتظارات الجماهير العربية، ومع تطلعات القوى الحية ولتستجيب للرهانات المطروحة عربياً».
وجاءت هذه الدعوة ضمن مطالب صيغت على شكل توصيات تمخضت عنها ندوة فكرية نظمها للتو المركز الموريتاني للبحوث والدراسات الإنسانية (مبدأ) تحت عنوان «قمة العرب بنواكشوط: الفرص و التحديات».
وقد شخصت هذه الندوة بشكل معمق التحديات الجسام التي تهدد بقاء بعض الدول العربية وتتربص بالبعض الآخر، كما كانت سانحة لاستشراف فرص إنعاش وإنقاذ واسترجاع الجسم العربي لعافيته. وشددت التوصيات على التأكيد «أن العالم العربي تَتَهدده بالإضافة لإشكالات الحكامة السياسية الداخلية، مخاطر تغول الاحتلال الصهيوني، والانحياز الواضح الفاضح للقوى العالمية الكبري ضد القضايا العربية العادلة، وبغي بعض «الخلطاء» بمنطقة الشرق الأوسط، وسطوة الأجندات الخارجية، وتدهور الأوضاع الأمنية داخل بعض الدول العربية المحورية، واستفحال وتوسع الإرهاب والغلو والتطرف».
ودعت التوصيات التي اطلعت عليها «القدس العربي» أمس «القادة العرب لانتهاز استحقاقات اللحظة العربية الراهنة خلال قمة نواكشوط المرتقبة باتخاذ قرارات شجاعة تتصدى للتهديدات وتستجيب للتحديات، وذلك بجعل محورية القضية الفلسطينية محورية حقيقية بإقامة الدولة الفلسطينية على كامل أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، وبتفعيل ملموس للاتفاقيات العربية العربية التي تصب في اتجاه تدعيم العمل العربي المشترك».
وأوصت الندوة القمة العربية «بإعادة النظر بشكل جذري في مؤسّسات جامعة الدول العربيّة وإجراءات عملها، ومن ضمنها آليات التصويت واتّخاذ القرارات وتنفيذها، عبر تعديل ميثاق الجامعة بما يضمن تفعيل مشاركة وانخراط منظّمات المجتمع المدني وإعلاء القيم السامية لحقوق الإنسان وتعزيز مشاركة المرأة العربية والشباب العربي».
وألزمت الندوة القادة العرب ببلورة رؤية جديدة للنهوض بجامعة الدول العربية، والاستجابة للتطلعات الهادفة إلى إقامة نظام عربي يُحصّن البلدان العربيّة، ويضمن تحقيق السلم والعدالة والديمقراطية والتنمية والتضامن والاندماج الاقتصادي العربيين، مع تحييد العمل الاقتصادي العربي عن العراقيل السياسية.
ودعا المشاركون في الندوة إلى «إنشاء مرصد عربي للوقاية من الأزمات السياسية والدينية والمجتمعية يمثل خزان أفكار على أن يضم فريقاً مصغراً من خيرة علماء الدين والسياسة والاجتماع، كما دعوا لتفعيل قرار وزراء الخارجية العرب المتخذ في يوم 26 آذار/مارس 2015 بخصوص إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة مع ضرورة استخلاص الدروس والعبر من مآل معاهدة الدفاع العربي المشترك».
وتوقف المشاركون في توصياتهم أمام واقع البرلمان العربي حيث طالبوا بمراجعة بنيته وإعطائه دوراً تشريعياً يتجاوز المهام الاستشارية، وإعادة النظر فـي الميـثاق الـعربي لـحقوق الإنسان ونظام محكمة العدل العربيّة، وكذا إعادة النظر في علاقة الجامعة العربيّة بالمنظمات غير الحكومية المُمثّلة لطموحات المجتمع المدني بالبلدان العربية».
ودعا المشاركون في توصياتهم التي ستسلم للقمة المقبلة إلى «فتح الحدود بين الدول العربية جميعها لتسهيل تنقل الأموال والأشخاص وللعمالة والسياحة والدراسة وإلغاء التأشيرة بين الاقطار العربية، إضافة لاتخاذ قرارات نافذة تضمن تحرير التجارة وتحفيز وحماية الاستثمارات وسن معايير موحدة فى مجالات الجودة والتصنيع».
وأوصوا كذلك باعتماد مقاربة ناجعة لاجتثاث الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو، ودعوة المجتمع الدولي إلى دعم الجهود العربية في مكافحة الإرهاب واتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتجفيف منابعه للحيلولة دون توفير الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية، مع إنشاء وتفعيل آلية لاستشراف الأزمات وتقويضها بدل الاكتفاء بتسييرها عند نشوبها».
ودعا المشاركون «العلماء والمفكرين في عـالمنا العربي إلى تكثيف الجهود والتعاون فيما بينهم نحو التصدي للأفكار الظلامية والممارسات الشاذة التي تروج لها جماعات الإرهاب والتي تنبذها مقاصد الأديان السماوية والعمل على تطوير وتجديد الخطاب الديني بما يبرز قيم السماحة والرحمة وقبول الآخر ومواجهة التطرف الفكري والديني» .
على «ضمان توفير آليات للتنسيق المحكم لتسهيل التعاطي الفعال مع المسارات التي تجمع الدول العربية بالأطراف الأخرى».
وانتقد المشاركون في مقدمة توصـياتهم الواقع العربي وضعف الجامعة العربية، واستعرضوا ما يواجه النظام العربي من إشـكالات جمة تعيقه عن الاضطلاع بوظائفه الأساسية الأمنية والتنموية والتنسيقية، وتجعله عرضة لمخاطر جمة من قبل بعض القوى الإقليمية المنافسة التي أصبحت تقوم بوظائف النظام العربي، ما يستدعي، حسب تشخيص المشاركين، استنـهاض الإرادات لطرح صيغة تطوير جديدة لمؤسساته وهياكله المجسدة في جامعة الدول العربية.
وتأسف المشاركون «لازدياد حسرة وغيرة المواطنين العرب حينما يشاهدون يوميا انتظام وانسيابية ونجاعة وديمقراطية تكتلات إقليمية اتحـادية أو «ما قبل اتحادية» بأوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا يجمعها ويوحدها من أسباب ودواعي ومقومات الاتحاد والاندماج ما هو أقل بكثير مما كان ينبغي أن يكون وَقُودَ الوحدة العربية الغائبة والمنتظرة». وأكدو في مقدمة توصياتهم على «أن قمة نواكشوط تنعقد في ظرفية زمنية استثنائية بالنظر إلى حجم وطبيعة التحديات التي تواجهها الأمة مع حالة التشظي التى يعيشها الجسم العربي وغياب السياقات الحاضنة المشجعة على تحفيز العمل العربي وتراجع أداء مؤسسات العمل العربي المشترك». وشخص المشاركون التحديات الكبرى التي تواجهها الأمة في الظرف الحالي فأكدوا أن أولها هو «تعذر حل قضية فلسطين المركزية مع تمزق المشهد الـعربي وتعطل عملية السلام، وصعود اليمين الإسرائيلي المتطرف وتباعد الهوة بين الفرقاء الفلسطينيين». وأوضح المشاركون أن الأمة تواجه كذلك تحديات إستراتيجية تجسدها خـطورة الصورة النمطية التي تسعى جهات نافذة إلى إلصاقها بالعربي المسلم، كإرهابي وكمتطرف همجي فضلا عن الاختراق السافر الذي يتعرض له الـعالم العربي من قبل القوى الأجنبية التي يلاحظ داخلها تنام كبير للمتشبثين بنهج صراع الحضارات». وتحدثا باستفاضة عن التحديات الأمنية الخطيرة الناجمة عن تصاعد الإرهاب التكفيري وتفشي مظاهر الغلو والتطرف الديني والصراعات المذهبية، كما تحدثوا عن تحديات سياسية متمثلة في الأوضاع الأمنية التي شهدتها بعض الأقطار العربية وهـو ما تسبب في التهديد بتنامي حالات الدول الـعربية الفاشلة في المـنطقة. وانتقد المشاركون مـظاهر الـضعف التي تميز الواقع العربي بسبب انعدام رؤى واستراتيجيات موحدة لمواجهة الـتحديات الماثلة نتـيجة غياب دور ريادي قادر على تـحقيق إجـماع حول القضايا المصيرية، ولتعطل آليات الـعمل الـعربي المشترك مع تعدد القرارات الهامة اـلتي لم تشهد تطبيقاً خـاصة معاهدة الـدفاع المشترك واتـفاقيات التـعاون الاقتـصادي والاجتـماعي.
عبدالله مولود: نواكشوط – «القدس العربي»: