انهالت برقيات التأييد ورسائل التضامن مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي بمناسبة موجة التفجيرات الارهابية التي استهدفت المملكة، واشارت معظم الآراء والتحليلات الى وقوف “الدولة الاسلامية” ، او بالاحرى عناصر تابعة لها، خلفها.
هذا التعاطف مع المملكة متوقع، بحكم مكانتها السياسية والمالية والدينية اولا، وحدوث احد هذه التفجيرات واخطرها في مركز لقوات الامن السعودية في الحرم النبوي الشريف ثانيا، ومقتل اربعة من حراسه واصابة خمسة آخرين ثالثا.
اللافت ان الرواية السائدة لهذه التفجيرات كانت رواية سعودية احادية، ولم تكن هناك اي روايات مستقلة، وهذا امر متوقع، الامر الذي غيب الكثير من التفاصيل والحقائق حول هذه التفجيرات وضحاياها، وكيفية تنفيذها، وهويات المنفذين، وكان الاستثناء الوحيد حتى كتابة هذه السطور، ان منفذ العملية الانتحارية المفترضة في مرآب سيارات مستشفى الدكتور سليمان فقيه في جدة كان باكستانيا في الثلاثينات من عمره، ولا نعرف لماذا فجر نفسه في هذا المكان، وهل كان يستهدف القنصلية الامريكية القريبة من المكان؟
***
السؤال الآخر الذي ما زال يبحث عن اجابة يتعلق بكيفية مقتل رجال الشرطة الاربعة، قرب الحرم النبوي، فاللقطات التي بثتها شاشة محطة “العربية” اظهرت العديد من السيارات المحترقة والمحطمة، مما يوحي ان التفجيرات كانت من الضخامة بحيث يمكن القول انها تكون ليست نتيجة احزمة ناسفة، وان المنفذين اكثر من شخص.
لا نعتقد اننا وغيرنا، سنحصل على اجابات قاطعة في الايام، او الاسابيع، او حتى الاشهر المقبلة، فقد اقترب موسم الحج وما زلنا ننتظر نتائج التحقيق في الكارثة التي وقعت في مشعر منى، وادت الى مقتل اكثر من ثلاثة آلاف حاج.
الحدث كبير، ودلالاته اضخم، والصدمة مروعة، فحدوث هذه التفجيرات في يوم واحد، ومناطق مختلفة في المملكة يؤكد انها عمل منظم، تقف خلفه قيادة محلية ميدانية، ربما تكون مرتبطة بقيادة خارجية اعلى، وهنا تكمن الخطورة.
تحديد هوية منفذ هجوم جدة واغفال ذكر هويات المنفذين الآخرين في القطيف والحرم النبوي، يوحي بأنهم على الاغلب من الشبان السعوديين ينتمون الى خلايا عنقودية داخلية، ومن غير المستبعد ان يكونوا تلقوا تدريبات في معسكرات لـ”الدولة الاسلامية” في سورية، او العراق، او ليبيا، او افغانستان، او سيناء، او اي “ولاية” اخرى بايعت هذه الدولة.
ابو محمد العدناني المتحدث باسم “الدولة الاسلامية” والذي تردد انه اخذ مكان القائد العسكري ابو عمر الشيشاني، حث منتسبي تنظيم هذه الدولة على تنفيذ عمليات انتحارية في مختلف انحاء العالم، وخاصة في شهر رمضان المبارك، ووجدت هذه الدعوة استجابة من خلايا نائمة جرى تنشيطها نفذت هجمات في اسطنبول واورلاندو وبنغلادش وبغداد.
التفجير الذي استهدف مركز امني قرب الحرم النبوي هز العالم الاسلامي بأسره، وليس المملكة وحدها، لان هناك مليوني حاج يستعدون لشد الرحال لاداء فريضة الحج في المشاعر المقدسة في الاسابيع القليلة المقبلة، وجميع الحكومات الاسلامية تولي اهمية كبرى لسلامة حجاجها، وتجنيبهم اي مكروه، الامر الذي يضع عبئا كبيرا على الجهات السعودية الامنية والادارية التي تسهر على رعاية الحجاج وامنهم وسلامتهم.
***
المصاب السعودي كبير على المستويين الرسمي والشعبي، فالقيادة السعودية “تباهت” دائما بانها واحة للامن والاستقرار في محيط عربي ملتهب بالحروب والفوضى الدموية، ولكن تفجيرات الامس اكدت انها لم تعد محصنة.
هذه التفجيرات ربما تؤسس لتغييرات سعودية كبيرة سياسية وامنية واجتماعية، واعادة نظر في الكثير من الممارسات والمسلمات التي كانت متبعة، ومثلما دفعت تفجيرات اسطنبول وانقرة الارهابية التسعة بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى مراجعة الكثير من مواقفه والمصالحة مع روسيا، والتطبيع مع اسرائيل، وتخفيف حدة لهجته تجاه سورية، ووضع كل ثقله في الحرب ضد “الدولة الاسلامية”، وباقي الجماعات الارهابية الاخرى، فاننا لا نستبعد تغييرات ومراجعات مماثلة في المملكة العربية السعودية في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، خاصة في الميادين الامنية.
عبد الباري عطوان
انهالت برقيات التأييد ورسائل التضامن مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي بمناسبة موجة التفجيرات الارهابية التي استهدفت المملكة، واشارت معظم الآراء والتحليلات الى وقوف “الدولة الاسلامية” ، او بالاحرى عناصر تابعة لها، خلفها.
هذا التعاطف مع المملكة متوقع، بحكم مكانتها السياسية والمالية والدينية اولا، وحدوث احد هذه التفجيرات واخطرها في مركز لقوات الامن السعودية في الحرم النبوي الشريف ثانيا، ومقتل اربعة من حراسه واصابة خمسة آخرين ثالثا.
اللافت ان الرواية السائدة لهذه التفجيرات كانت رواية سعودية احادية، ولم تكن هناك اي روايات مستقلة، وهذا امر متوقع، الامر الذي غيب الكثير من التفاصيل والحقائق حول هذه التفجيرات وضحاياها، وكيفية تنفيذها، وهويات المنفذين، وكان الاستثناء الوحيد حتى كتابة هذه السطور، ان منفذ العملية الانتحارية المفترضة في مرآب سيارات مستشفى الدكتور سليمان فقيه في جدة كان باكستانيا في الثلاثينات من عمره، ولا نعرف لماذا فجر نفسه في هذا المكان، وهل كان يستهدف القنصلية الامريكية القريبة من المكان؟
***
السؤال الآخر الذي ما زال يبحث عن اجابة يتعلق بكيفية مقتل رجال الشرطة الاربعة، قرب الحرم النبوي، فاللقطات التي بثتها شاشة محطة “العربية” اظهرت العديد من السيارات المحترقة والمحطمة، مما يوحي ان التفجيرات كانت من الضخامة بحيث يمكن القول انها تكون ليست نتيجة احزمة ناسفة، وان المنفذين اكثر من شخص.
لا نعتقد اننا وغيرنا، سنحصل على اجابات قاطعة في الايام، او الاسابيع، او حتى الاشهر المقبلة، فقد اقترب موسم الحج وما زلنا ننتظر نتائج التحقيق في الكارثة التي وقعت في مشعر منى، وادت الى مقتل اكثر من ثلاثة آلاف حاج.
الحدث كبير، ودلالاته اضخم، والصدمة مروعة، فحدوث هذه التفجيرات في يوم واحد، ومناطق مختلفة في المملكة يؤكد انها عمل منظم، تقف خلفه قيادة محلية ميدانية، ربما تكون مرتبطة بقيادة خارجية اعلى، وهنا تكمن الخطورة.
تحديد هوية منفذ هجوم جدة واغفال ذكر هويات المنفذين الآخرين في القطيف والحرم النبوي، يوحي بأنهم على الاغلب من الشبان السعوديين ينتمون الى خلايا عنقودية داخلية، ومن غير المستبعد ان يكونوا تلقوا تدريبات في معسكرات لـ”الدولة الاسلامية” في سورية، او العراق، او ليبيا، او افغانستان، او سيناء، او اي “ولاية” اخرى بايعت هذه الدولة.
ابو محمد العدناني المتحدث باسم “الدولة الاسلامية” والذي تردد انه اخذ مكان القائد العسكري ابو عمر الشيشاني، حث منتسبي تنظيم هذه الدولة على تنفيذ عمليات انتحارية في مختلف انحاء العالم، وخاصة في شهر رمضان المبارك، ووجدت هذه الدعوة استجابة من خلايا نائمة جرى تنشيطها نفذت هجمات في اسطنبول واورلاندو وبنغلادش وبغداد.
التفجير الذي استهدف مركز امني قرب الحرم النبوي هز العالم الاسلامي بأسره، وليس المملكة وحدها، لان هناك مليوني حاج يستعدون لشد الرحال لاداء فريضة الحج في المشاعر المقدسة في الاسابيع القليلة المقبلة، وجميع الحكومات الاسلامية تولي اهمية كبرى لسلامة حجاجها، وتجنيبهم اي مكروه، الامر الذي يضع عبئا كبيرا على الجهات السعودية الامنية والادارية التي تسهر على رعاية الحجاج وامنهم وسلامتهم.
***
المصاب السعودي كبير على المستويين الرسمي والشعبي، فالقيادة السعودية “تباهت” دائما بانها واحة للامن والاستقرار في محيط عربي ملتهب بالحروب والفوضى الدموية، ولكن تفجيرات الامس اكدت انها لم تعد محصنة.
هذه التفجيرات ربما تؤسس لتغييرات سعودية كبيرة سياسية وامنية واجتماعية، واعادة نظر في الكثير من الممارسات والمسلمات التي كانت متبعة، ومثلما دفعت تفجيرات اسطنبول وانقرة الارهابية التسعة بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان الى مراجعة الكثير من مواقفه والمصالحة مع روسيا، والتطبيع مع اسرائيل، وتخفيف حدة لهجته تجاه سورية، ووضع كل ثقله في الحرب ضد “الدولة الاسلامية”، وباقي الجماعات الارهابية الاخرى، فاننا لا نستبعد تغييرات ومراجعات مماثلة في المملكة العربية السعودية في الايام والاسابيع القليلة المقبلة، خاصة في الميادين الامنية.