يصنف مؤشر العبودية الشامل" لمنظمة "وولك فري" Walk Free العالمية، الصادر أواخر أيار/ مايو الماضي، موريتانيا في المرتبة الثامنة عربيا على قائمة الدول التي تمارس نوعا من أنواع العبودية المعاصرة.
وبحسب التقرير فإن عدد ضحايا هذا النوع من العبودية يصل إلى 43 ألف شخص من مجموع سكان البلد، الذين يقدرون بحوالي ثلاثة ملايين ونصف.
ويقول مدافعون عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين إنهم يكتشفون من حين لآخر حالات من العبودية في الأرياف والقرى النائية.
لكن بعض الأصوات تنتقد ما تعتبره محاولة نشطاء يدافعون عن الرق "إثارة الفتنة" في المجتمع والانزلاق عن سكة الدفاع عن أبناء الأرقاء السابقين إلى التهجم على شريحة "البيظان"، لأن أجدادها مارسوا العبودية على أجداد "الحراطين".
و"البيظان" اسم لقبائل عربية وصنهاجية في موريتانيا كانت تمارس العبودية على "الحراطين"، حسب منظمة إيرا.
شاهد الفيديو التالي لموقع "الحرة" عن العبودية المعاصرة في الدول العربية:
انزلاق أم مجرد اتهامات؟
يؤكد السعد ولد لوليد الناشط في مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية المعروفة اختصارا بـ"إيرا"، وهي من أبرز الحركات المدافعة عن أبناء العبيد السابقين، أن حدوث انزلاقات في نضال بعض الناشطين في قضايا الرق "أمر طبيعي".
ويوضح ولد لوليد، في حديث لموقع "راديو سوا"، بأن "النضال ينطلق من قضية نبيلة، لكنه يتعرض باستمرار لنكسات، وللأسف هذه الحالة يخضع لها حاليا نضال أبناء الحراطين. هناك من يستغل هذا النضال لأغراض شخصية وتجارية وسياسية".
في المقابل، يشدد الناشط إبراهيم سمير، أحد مؤسسي ومحرري ميثاق الحراطين، على نبل أهداف المناضلين عن حقوق الحراطين.
ويقول سمير في حديث لموقع "راديو سوا" إن "إيرا كحركة حقوقية شكلت صحوة ضمير إن لم أقل ثورة في طرح مسألة الأرقاء السابقين، وهذا سبب تقاطر أعداد كبيرة من أبناء شريحة الحراطين على الحركة".
ويضيف سمير "رغم خطاب زعيم إيرا المتشنج والمصعد في أغلب الأحيان، إلا أن الحركة لا تدعو إلى العنف" .
ويؤكد الباحث في مركز الصحراء للدراسات ولاستشارات في نواكشوط محمد يحي ولد السعيد أن الكثيرين في المجتمع الموريتاني يرون أن حركة إيرا خرجت عن الهدف الأساسي من إنشائها.
ويضيف أن الاتهامات، في هذا السياق، تصاعدت خصوصا بعد أحداث العنف الأخيرة.
وعرفت نواكشوط يوليو/ تموز الماضي أحداث شغب ومواجهات مع الشرطة أثناء إخلاء أحد الأحياء العشوائية. واتهمت الشرطة إيرا بالتحريض على العنف الذي وقع، لكن الحركة نفت ذلك مؤكدة أن عناصرها الموقوفين اعتقلوا في منازلهم وليس خلال المواجهات مع الشرطة.
ويستنكر عضو المكتب التنفيذي لحركة ايرا عابدين معط الله، المقيم في الولايات المتحدة، التهم، قائلا "هذه ليست المرة الأولى ولا أظنها الأخيرة، التي تتهم فيها الحكومة حركة إيرا المجيدة بأنها عنصرية".
ويضيف أن "الحكومة الموريتانية بدلا من مكافحة العبودية والعنصرية التي شوّهت سمعة البلد في كل مكان، تكرس كل ما لديها من السلطة والمال لمكافحة مناضلين كرسوا حياتهم للقضاء على العبودية والعنصرية".
شاهد التقرير: آلاف المتظاهرين في شوارع نواكشوط تضامنا مع العبيد السابقين.
هل توجد عبودية؟
الجواب عن هذا السؤال يلفه جدل كبير بين الحكومة، من جهة، ومدافعين عن أبناء الأرقاء السابقين، من جهة أخرى.
فالحكومة تقول إن الرق أصبح جزءا من الماضي بفعل قوانين بدأت في الظهور منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، بينما ترد حركة إيرا بأن أبناء "الحراطين" في الأرياف يتم تسخيرهم بأجور زهيدة أو من دون أجور من قبل أبناء أشخاص مارسوا العبودية في الماضي على أجدادهم.
وكثيرا ما تنظم حركة إيرا وقفات احتجاجية في العاصمة نواكشوط وفي مدن أخرى للتنديد بـ"العبودية العقارية"، التي تقول إن شريحة "البيظان" تمارسها على أبناء "الحراطين".
شاهد التقرير التالي: حركة " إيرا" تطلق حملة لمواجهة "العبودية العقارية":
ويقول الأستاذ الجامعي إسلم ولد الطالب عبيدي "يجب أن نعترف أن العبودية بمفهومها الدقيق لم تعد موجودة في موريتانيا بفعل القوانين المتتالية التي جرّمت الظاهرة وبفعل الواقع على الأرض".
ويضيف ولد عبيدي، في حديث لموقع "راديو سوا"، أن "من يريد أن يساهم في القضاء على مخلفات العبودية ينغي أن يبني المدارس والمستشفيات وأن يدعم المشاريع الصغيرة المدرة للدخل وهذا ما تقوم به الدولة عن طريق وكالة التضامن".
وأصدرت موريتانيا سنة 1981 قانونا يحرم ممارسة العبودية، إلا أنها لم تعتبرها جريمة إلا بقانون أصدرته سنة 2007.
وصادق البرلمان، في آب/ أغسطس 2015، على اعتبار الرق "جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم"، وقررت الحكومة إنشاء محاكم خاصة للنظر في القضايا المرتبطة بالرق، إلا أن إيرا تقول إن تلك المحاكم لا تقوم بدورها.
المصدر: موقع "راديو سوا"