يشتد الصراع السياسي في موريتانيا حسب مؤشرات يوم أمس على جبهتين إحداهما يقودها الرئيس ولد عبد العزيز ومناصروه وتركز على التحضير الجيد لسيناريوهات خلافة الرئيس في انتخابات 2019، والثانية يقودها منتدى المعارضة بأحزابه ونقاباته وشخصياته المرجعية وتسعى لعرقلة وإفشال مخططات الجبهة الأولى.
وقد تمكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز من تنظيم حوار سياسي أسفر، رغم مقاطعة المعارضة الجادة له، عن تعديلات في الدستور أهمها استفتاء شعبي لإلغاء غرفة الشيوخ، كما تمكن عبر اجتماع عقده أمس رئيس الحزب الحاكم مع فريق الموالاة في مجلس الشيوخ من تهدئة هذا الفريق الذي سبق أن تمرد على النظام بعد إعلان الرئيس عن نيته إلغاء الغرفة العليا في البرلمان.
وتستعد الهيئات السياسية والإعلامية التابعة لمعسكر الرئيس حالياً للتصدي للمعارضة عبر تنفيذ حملات موسعة لشرح وتثمين مخرجات الحوار، وللتحضير لمشاركة شعبية واسعة في الاستفتاء المقرر منتصف كانون الأول/ديسمبر المقبل والذي هو بمثابة استطلاع رأي لمقارنة شعبية الرئيس بشعبية معارضيه، وللتحضير أكثر من ذلك للانتخابات النيابية والبلدية المقررة في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017.
ويعتقد متابعو هذا الشأن «أن مرد اهتمام الرئيس ولد عبد العزيز بالتحكم في المرحلة المقبلة هو سعيه للسيطرة على الأمور في مرحلة ما بعد انتخابات 2019، فإما أن يجد مدخلاً دستورياً مقبولاً للترشح لها وهو أمر استبعده هو بنفسه ونفاه معارضوه، أو يتحكم في دواليب السلطة عبر صيغة تعيده للرئاسة من جديد قد تكون مستوحاة من طريقة «بوتين/ميدفيديف».
ومقابل ما يقوم به الرئيس وأنصاره، تقوم المعارضة الموريتانية بتجميع قواها وأنصارها لإفشال ما يسعى له الرئيس وجبهته، حيث تنادى أنصار المعارضة بشقيهم المصنف في الأحزاب وغير المصنف من سياسيين شباب ومستقلين وغاضبين للمشاركة في مسيرة مقررة مساء غد السبت.
وستكون مسيرة المعارضة التي يجري التجييش لها منذ أسبوعين، شأنها شأن الاستفتاء، قياساً لحجم المعارضة في الشارع الموريتاني، فبقدر ما كانت المشاركة فيها كبيرة بقدر ما ضاقت فرص نجاح مخطط الرئيس والعكس بالعكس.
في هذه الأثناء، يواصل قادة المعارضة الموريتانية هجومهم على الرئيس ولد عبد العزيز حيث اعتبر الرئيس الموريتاني الأسبق علي ولد محمد فال (وهو ابن عم الرئيس الحالي)، «أن تصريح ولد عبد العزيز بعدم رغبته في التمديد لمأمورية ثالثة لم يكن عن قناعة منه بذلك وإنما كان نتيجة الضغط الشعبي والسياسي ورفض القوى السياسية لتلك الخطوة».
ووصف ولد محمد فال الذي كان يتحدث في لقاء تلفزيوني على قناة فرانس 24 الوضع القائم في موريتانيا بـ»المزري والمخزي» ، كما سخر من نفي ولد عبد العزيز لعلاقته بتصريحات وزرائه حول تمديد المأمورية في حين أن وزير العدل، حسب ولد فال، صرح بها علناً في البرلمان مدعياً أن الدستور ليس قرآناً ولا إنجيلاً كما ظل الناطق الرسمي باسم حكومته يؤكدها عقب اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية».
وذهب في حديثه عن ولد عبد العزيز الذي تحاشى ذكر اسمه أو وصفه بالرئيس إلى «أنه شخص لا يوثق في كلامه فقد وصل للسلطة متمرداً وسيظل كذلك».
وفي حديثه عن الارتياح الذي أبدته السفارة الأمريكية في بيانها حول عدم مساس الرئيس عزيز بالدستور، قال ولد محمد فال «إن بيان السفارة الأمريكية أمر طبيعي بسبب معرفتها المسبقة بنواياه (أي الرئيس عزيز) التي كان يبيتها لتغيير ﺍﻟﺪﺳﺘﻮر».
وضمن التصريحات المعارضة، أكد محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية «تواصل» «أن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة غيَّر عنوان مسيرته بعد تصريحات الرئيس محمد ولد عبد العزيز حول المأمورية الثالثة»، مؤكداً «أن المعارضة ستلتقي يوم السبت القادم عند النداء الكبير بجميع أطيافها».
وأكد «أنه لا بديل عن الحوار ولكن الحوار المطلوب هو حوار يخرج من الأزمة ولا تضيع فيه أعمار الموريتانيين بدون جدوى ولا فائدة»، مؤكداً أن «أي حوار لم يحل المشاكل ليس حواراً شاملاً ولا وطنياً لذا ندعو الشعب إلى الحضور يوم السبت المقبل في مسيرة المنتدى»، حسب تعبيره.
وضمن التحليلات التي تتناول المراحل التي تقبل عليها موريتانيا أكدت صحيفة «السفير» الموريتانية المستقلة في معالجة لها تحوت عنوان «ثلاث عقبات أمام «الجمهورية الثالثة» وفخ للرئيس عزيز»، «أن ما يجري هو محاولة محمومة لدفع الرئيس لوضع كل ثقله خلف استفتاء محاصر بالعقبات وغير مضمون النتيجة سلفاً».
وأضافت «هنا يكمن الفخ لأن الرئيس حين يتبنى مجموعة من الإصلاحات معتبراً بأنها تمثل إصلاحات جوهرية بالنسبة للبلاد، فإنه لن يألو جهداً في سبيل تمريرها، لكن ماذا لو جاءت نتيجة الاستفتاء سلبية ووجد الرئيس نفسه في مأزق محرج؟ ألا يعتبر التجييش الحالي داخل الأغلبية ضد مخرجات الحوار، إسناداً قوياً للمعارضة الجاهزة لبذل الغالي والنفيس من أجل إفشال استفتاء يضر بسمعة الرئيس ويجعل وضعه أكثر هشاشة؟».
«والمشكلة، تضيف صحيفة «السفير»، أن الوقوع في هذا الفخ قد يقود إلى ما هو أبعد من إحراج الرئيس لأن هذا الأخير حين يربط مصيره السياسي بنتائج الاستفتاء، وقد يجد نفسه مضطراً للاستقالة حين ترفض أغلبية الشعب الموافقة على إصلاحاته، وهو ما لا يمكن أن يفوت على من أحكموا نصب هذا الفخ من ذوي الثقافة الفرنسية بالنظر لشهرة السابقة الفرنسية أيضاً في هذا المجال؛ ألم يكن رفض الفرنسيين للإصلاحات التي طرحها الجنرال ديغول في استفتاء 1969، في خضم الغليان الثوري الناجم عن أحداث 1968، سبباً مباشراً في استقالته من الرئاسة واختفائه من المشهد السياسي؟».
نواكشوط ـ «القدس العربي»: