اعتبر مراقبون متابعون لملف العلاقات الموريتانية الفرنسية أن مؤشرات توترها تزداد بشكل مستمر بعد أن ظلت قوية منذ تولي الرئيس محمد ولد عبد العزيز للحكم في موريتانيا بدعم فرنسي لانقلابه الذي نفذه منتصف عام 2008.
ويستغرب المراقبون استمرار زيادة هذا التوتر، رغم المصالح المشتركة، لعلاقات موريتانيا بفرنسا القوة الاستعمارية السابقة التي احتفظت عن طريق التعاون الاقتصادي والعسكري، بهيمنتها على مستعمراتها الإفريقية.
وأكد المحلل السياسي والإعلامي البارز موسى ولد حامد في توضيحات لـ«القدس العربي» أمس «أن من أسباب التوتر المفاجئ للعلاقات الموريتانية الفرنسية، انزعاج الفرنسيين من التصريحات التي أدلى بها الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لصحيفة «الأهرام» المصرية العام الماضي، والتي قال فيها بالنص «إننا لا نعفي الغرب مما يجري في منطقتنا من تدمير، ولولا تدخل الفرنسيين في سوريا ما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه في سوريا، ولا في فرنسا نفسها من جرائم إرهابية؛ فالمشكلات عندهم ترتبط بتدخلاتهم السلبية في بلادنا».
«هذا التصريح يضيف ولد حامد المدير الناشر لصحيفة «بلادي»، هو أول مؤشر لعدم رضا الرئيس الموريتاني عن الفرنسيين، أما المؤشر الثاني فهو طرد موريتانيا مؤخراً لأعضاء المساعدة العسكرية الفرنسية الذين كانوا في إطار شمال موريتانيا، وتلا ذلك قبل يومين مؤشر جديد هو تبرؤ قيادة الأركان الموريتانية في بيان رسمي، من تصريحات باتريك استيكر الناطق باسم وزارة الدفاع الفرنسية التي أدرج فيها موريتانيا ضمن البلدان المستفيدة من عملية «برخان» العسكرية الفرنسية المنفذة في شمال مالي». وأكد ولد حامد «أن لهجة الدبلوماسيين الفرنسيين قد انتقلت مؤخراً من الدفاع عن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى انتقاده دون تحفظ».
ومع أن لقاءات الرئيس الفرنسي بنظرائه الأفارقة في القمم الفرنسية الإفريقية لا تعني كبير شيء، فقد أضاف مراقبون هنا لمؤشرات التوتر، عدم إجراء أي لقاء للرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند مع الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز على هامش القمة الفرنسية الإفريقية السابعة بعد العشرين التي جمعتهما الأحد الماضي في باماكو.
وتنضاف لهذه المؤشرات ندرة زيارات المسؤولين الفرنسيين لموريتانيا رغم ترددهم الكثير على الدول المجاورة ودول الساحل، وكذا عدم قيام الرئيس الفرنسي أولاند بزيارة موريتانيا كما وعد بذلك من قبل.
ويؤكد محللون متابعون لهذا الشأن أن «حكومة نواكشوط تنظر بكثير من عدم الرضا لقوة العلاقات بين باريس والرباط وبين باريس وداكار بينما تشهد علاقات باريس بنواكشوط إهمالاً من طرف الرسميين الفرنسيين».
ومما زاد في توتر العلاقات الموريتانية الفرنسية استقبال الحكومة الفرنسية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للحقوقي الموريتاني المعارض بيرام ولد الداه، وهو الاستقبال الذي أثار استياء حكومة نواكشوط مع أن الفرنسيين أكدوا أن «ولد الداه استقبل من طرف مسؤول سام في الأليزيه بصفته مرشحاً سابقاً للانتخابات الرئاسية في موريتانيا، بل لكونه حاز المرتبة الثانية بعد الرئيس ولد عبد العزيز».
وقد لفت ازدياد التوتر في العلاقات الموريتانية الفرنسية نظر الصحافة الفرانكفونية الموريتانية، حيث خصصت أسبوعية «لوكلام» أمس تحليلاً لتتبع مؤشرات هذا التوتر، أكدت فيه «أن علاقات باريس ونواكشوط ليست في أحسن حالها وهو ما يدل عليه، تضيف الصحيفة، ندرة زيارة المسؤولين الفرنسيين لموريتانيا وامتناع الرئيس الموريتاني عن المشاركة في عملية «سرفال» العسكرية التي تنفذها فرنسا في الشمال مالي».
وأدرجت «لوكلام» ضمن مؤشرات التوتر «بيانات نشرتها السفارة الفرنسية بنواكشوط أخيرًا، حذرت فيها الرعايا الفرنسيين من التجول في موريتانيا بسبب انعدام الأمن، وهو الأمر الذي جعل المشاركين في سباق «فاندي اغلوب» البحري يبتعدون عن الشواطئ الموريتانية». وسجلت الصحيفة ضمن استقرائها لمظاهر هذا التوتر «عدم ارتياح الفرنسيين لامتناع الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن إرسال ثلاثة آلاف جندي إلى منطقة غاوو المالية واكتفائه بإرسال مستشارين عسكريين لبعثة «المنوسما».
ويلاحظ المراقبون أن التوتر في العلاقات الموريتانية الفرنسية يوازيه تحسن كبير في العلاقات الأمنية والعسكرية بين موريتانيا والولايات المتحدة وهو التحسن الذي يرى المراقبون بأنه رسالة موريتانية للفرنسيين.
وضمن هذا التوجه استقبل الرئيس الموريتاني قبل أيام قليلة، بيتر بارلين نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشؤون الإفريقية الذي زار موريتانيا مشاركاً في لقاء تشاوري أمني وعسكري بين الولايات المتحدة ومجموعة دول الساحل الخمس التي تسيطر موريتانيا على معظم خطط تعاونها العسكري.
وتركز اللقاء التشاوري بين الولايات المتحدة وهذه المجموعة، على مبادرة بناء القدرات التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها منطقة الساحل، والتي تهتم الولايات المتحدة بالمساعدة فيها لكن بضمانات تتيح لها حضوراً كبيراً في منطقة الساحل التي تعتبر بؤرة مقلقة للنشاط الإرهابي .
ويلاحظ المراقبون تبادلاً نشطاً للزيارات بين المسؤولين العسكريين الموريتانيين والأمريكيين، حيث أجرى الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية منتصف السنة الماضية، زيارة لقيادة القوات الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم» في مدينة شتوتغارت (ألمانيا).
وكان اللواء بحري ماتو كوهلير قائد مديرية الاستخبارات في الآفريكوم قد أدى قبل ذلك زيارة عمل لموريتانيا قابله خلالها كبار المسؤولين العسكريين الموريتانيين. وزار موريتانيا قبل ذلك أيضاً، وفد عسكري أمريكي بقيادة اللواء جامس بنيامين ليندر قائد قيادة عمليات القوات الخاصة الأمريكية بإفريقيا (SOCAFRICA).
وأجرى وفد من جامعة الدفاع الأمريكية (كابستون) مؤلف من 20 ضابطا عاليا من قيادة الأركان العامة للجيوش الأمريكية زيارة لموريتانيا قبل سنتين حضر أثناءها عروضاً بقيادة الأركان الجوية ومركز التخطيط وقيادة العمليات والمكتب الثالث بالأركان العامة للجيوش الموريتانية.
كل هذا التنسيق المستمر مع الولايات المتحدة في ظل التوتر مع الفرنسيين، يحمل في طياته رسالة من سلطات نواكشوط إلى سلطات باريس مفادها «إذا أنتم قلبتم ظهر المجن لعلاقاتكم معنا، فالولايات المتحدة موجودة ومهتمة بنا وبمنطقة الساحل التي يستحيل بدوننا، نجاح أي عمل عسكري أو أمني مضاد لحركات الإرهاب فيها».
عبد الله مولود/نواكشوط – «القدس العربي»