يقول الداعية الإسلامي الأمريكي الشيخ حمزة يوسف هانسن، وقد صحب لمرابط الحاج ولد فحفو سنين عددا:
سمعت موسيقى وأصوات العالم من كل لون وجنس فما سمعت أذناي أحلى ولا أشجى ولا أندى من أبيات من ميمية الإمام البوصيري في مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترنم بها العلامة الحاج ذات صفاء في إحدى ليالي "اتويمرات گلاگة" على ظهر تگانت.
/
يجلس مع طلابه في المسجد بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح فيصلي الضحى في المسجد ثم ينتقل بهم إلى ظل خيمة الدرس والكتب، فيجلس في ظل أول النهار فإذا تقلص عنه الفيء انتقل معه إلى مكان آخر و هكذا إلى أن تتوارى في الحجاب، لا يشغله عن التعليم إلا أداء الصلوات في أوقاتها أما الليل فغالبا ما يجلس في فناء الخيمة مع طلابه إلى أن يذهب الثلث الأول فينام الثلث الثاني ويستيقظ ثلث الليل الأخير فيصلي صلاة الشفع والوتر أو ما شاء الله منها، ثم يضطجع يقرأ القرآن إلى الفجر ولا أظن أن أحدا استيقظ آخر الليل إلا وسمع قراءته للقرآن، علما أنه لا ينام النهار إلا قليلا أو لا ينام بسبب طلاب العلم وإلحاحهم عليه فإذا وفد عليه الكرى جلس وتحامل على نفسه حتى يصدر طلاب العلم هكذا هو في يومه وليلته لا يفعل شيئا إلا تدريس العلم ولا يخطو خطوة إلا بين المسجد والخيمة.
قيل له يوما: لم لا تتحرك فإن الجلوس يضر بصحتك فرد قائلا: إن رياضتي في تدريس العلم، وقد كان مع زهده وورعه وعزوفه عن الدنيا محبا للأدب واللغة العربية وكان يتفاعل مع الشعر الجيد ويتأثر به كثيرا. ومن المعروف عنه اتباعه للسنة وكراهيته لمحدثات الأمور وقد أفتى ببطلان الصلاة خلف كل ذي بدعة إلا أنه مع ذلك ما سمعه أحد يذكر أحدا معينا بسوء ولا فريقا من فرق الإسلام بشيء وإذا عرَّض أحد في مجلسه بعالم من العلماء يخالفه الرأي أو اتهمه في دينه أعرض عن الحديث وسكت عن الكلام.
ومن عجيب أمره أنه يكون مع جلسائه مثل الشاهد الغائب فهو معهم إذا كان الكلام في أمور الآخرة وأما إذا كان الحديث عن الدنيا فإنه يرحل من بين أيديهم ويشتغل بذكر الله تعالى أو قراءة القرآن كأنه دائما يعمل بقول الله تعالى:
“قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُون”.
حياته كلها لله فأكله وشربه لله ونومه ويقظته لله وحزنه وفرحه لله، ولذلك فقد نشر الله له القبول بين الناس فليس له حساد من العلماء ولا أعداء بين الجهال، وطلابه يعرفون بالسمت الحسن وتلوح عليهم دلائل الخير والصلاح.
حدثني من أثق به قال شهدته ذات ليلة يمسك بطرف خيمته ويدور بها وهو يكرر قوله تعالى: “ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَه”
يكرر القرآن كلمة كلمة من شدة تعهده له و حرصه على أن لا يتفلت عليه وهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها، ونفس الشيء يروى عن الشيخ أحمدو ولد أحمذيَ فقد ريـءَ وهو يرمل بين كثيبين يكرر كلمة واحدة من القرآن.
لمرابط الحاج ولد فحفو ضرب مثلا في الورع قل مثيله حدثني أحد الفقهاء وقد درس في محظرته، أنه ذات مرة في يوم ذي مسغبة وقد نفد زاد الطلبة، قام العلامة لمرابط الحاج بإرسال أحد التلاميذ بدراعة ثمينة آنذاك، أهداها له احد محبيه، إلي مدينة كامور لبيعها وشراء ما يمكن شراؤه من الزاد والميرة للتلاميذ، وأعطاه فرسه للذهاب عليها وبعد أن ذهب تذكر لمرابط حفظه الله أن بيع أهل البدو لأهل الحضر فيه كراهة فأرسل تلميذا آخر علي حمار وقال له قل لفلان أن يرجع بالدراعه لأن بيعها فيه كراهة فلحق به ورجعا معا، وتزامنا مع وصولهم إلي المحظرة وصل أحد تلاميذ لمرابط وكان ميسور الحال آنذاك وأتى بالكثير من الزاد معه.
فقال لمرابط للطلبه انظروا من ترك الكراهة أعطاه الله، فكيف بمن ترك المحرمات
“من يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”.
العلامة الحاج من آخر العلماء الذين تعلموا العلم وعلموه ابتغاء وجه الله كذلك نحسبه ولا نزكي على الله أحدا.
حج لمرابط الحاج راجلا ومرّ بتوات ومصر في رحلة شاقة على الأقدام، وأثناء الحرب العالمية الثانية، لكن سمو الغاية هانت في سبيله صعوبة الوسائل كما هو حال ابنيْ عمر:
والحمد لله حجّا راجلين وقد :: عاقت عوائقُ حجاتٍ وعقن عُمَر
لم يفضلا بكثير من كذا وكذا :: فحسبُ لكن بشيءٍ في الصدور وقر
قد يوجد علم لمرابط الحاج لدى كثير من العلماء لكن قلة من العلماء اليوم يوجد لديهم ورع الحاج وإخلاصه.
كان لمرابط محمد سالم ولد ألما اليدالي رحمه الله، حين يعود مرهقا من تدريس الطلاب يمسك طرف خيمته وينشد قول المجنون:
لئن كان هذا الدمع يجري صبابة :: على غير ليلى فهو دمع مضيع
من صفحة المدون